في أغسطس آب عام ٢٠١٣ قصف النظام السوري الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي المحرم دولياً، ممَّا أدى لوفاة أكثر من ١٧٠٠ مواطناً جلهم من الأطفال، ممَّا حدى بأوباما برفع شعار الكيماوي خط أحمر.
كان ذلك قبل التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، بدأت أمريكا بحشد أسطولها البحري وحاملة الطائرات باتجاه السواحل السورية، وحبس الجميع أنفاسه بانتظار ساعة الصفر لبدء الضربة العسكرية الأمريكية للنظام السوري لإسقاطه، لكن النظام استسلم ورفع الراية البيضاء مستجيباً للضغط الأمريكي الذي لم يطلق رصاصة واحدة، وتمَّ تجريد النظام من سلاحه الكيماوي الاستراتيجي وتدميره.
ومع تغير الإدارة الأمريكية وفوز ترامب بالرئاسة ظنَّ البعض أنَّه سيحدث تغييرا في السياسة الخارجية لأمريكا تجاه الشعب السوري، لكنَّنا فوجئنا بقرار ترامب بحظر دخول جميع اللاجئين السوريين لأمريكا وترحيل المخالفين منهم.
وبين ليلة وضحاها يصحو ضمير ترامب، ليعلن حرصه الشديد على حياة أطفال سورية، فهل يستطيع أحد تصديق ذلك؟ ربَّما يكون ترامب قد اشتاق لتمثيل دور البطل المنقذ لأطفال سورية من الكيماوي ليغطي على مسلسله التلفزيوني القديم، فكانت الضربة الصاروخية لمطار الشعيرات في حمص الذي أقلعت منه السوخوي المحملة بالكيماوي وقصفت خان شيخون بإدلب التي راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد و٥٠٠ مصاب، تسعة وخمسون صاروخاَ من طراز توماهوك التي يملك ترامب اسهماً في الشركة المصنعة للصاروخ دكَّت مطار الشعيرات، هل يحتاج هذا المطار لهذا الكم الهائل من الصواريخ؟ لماذا لم يتم قصف سوى مطار الشعيرات وترك بقية المطارات؟ لماذا لم يتم قصف منظومة الصواريخ والدفاعات الجوية للنظام؟ لماذا لم يقصف القصر الجمهوري؟ لماذا أخبرت امريكا روسيا بالضربة التي بدورها أخبرت النظام السوري الذي سحب جميع مقاتلاته ومعداته من المطار المستهدف واستبدلها بطائرات ومعدات خردة لتكتمل المسرحية ويصدق المشاهد الصور، هل يخبر اللص أصحاب الدار بأنَّه سيأتي بعد منتصف الليل ليسرق محتويات البيت فكونوا على حذر واحتاطوا لذلك؟
ربما تكون أمريكا قد قطعت إصبعاً واحداً لكنَّها تركت بقية الأصابع صالحة للاستعمال.
أمريكا ضربت آلة الجريمة لكنَّها تركت مرتكبها حراً طليقاً، هل ضمنت أمريكا عدم تكرار النظام لجرائمه؟ لم يمضِ ساعات على الضربة الصاروخية حتى عادت حليمة وقصفت حي القابون الدمشقي بغاز الكلور، هل سترد أمريكا على ذلك؟
الإدارة الأمريكية غير جادة في تعاملها مع قضية الشعب السوري، فمنذ بداية الثورة رفعت أمريكا ( لاءاتها ) الثلاث التي تساوت مع (فيتوات) الروس في مجلس الأمن، فسياسة أمريكا الغامضة والمبهمة تجاه سورية أربكت الجميع، فهي ليست معنية بحل الازمة السورية بقدر ماهي معنية بإدارتها والتحكم بمسارها لخدمة مصالحها الوطنية والقومية، فلا أخلاق ولا إنسانية ولا مبادئ، إنَّما مصالح فقط لا غير، فكم مرة أعلن أوباما عن وجوب رحيل النظام، وأنَّه فاقد للشرعية، ومن تحت الطاولة كان يدعم بقاءه، واليوم يتكرر المشهد نفسه مع إدارة ترامب التي أعلنت أنَّها لم تعد مهتمة برحيل النظام قدر اهتمامها بمحاربة داعش. فما الذي تخطط له واشنطن في سوية؟
الأردن الشقيق يرقص مع أمريكا في الجنوب السوري، والأكراد يرقصون مع أمريكا في الشمال، والجيش الحر يرقص مع تركيا، والفصائل المسلحة ترقص مع الممول، والمعارضة السياسية في الخارج ترقص مع الفضائيات، ودي مستورا يرقص مع الجميع، إنَّها فعلاً الفوضى الخلاقة التي تديرها وتسيطر عليها وتمسك بجميع خيوطها أمريكا، ربَّما يكون مقتضى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق قد استوعب الدرس الأمريكي في بلده، ممَّا دفعه بتوجيه دعوة للنظام السوري بالتنحي عن الحكم ومنح الشعب السوري حق تقرير مصيره.
الضربة الصاروخية تمت، لكن هناك عدة تساؤلات تشغل الرأي العام والخاص وهي: لماذا لم تحرك روسيا منظومة الصواريخ س٤٠٠ لاعتراض الصواريخ الأمريكية وتدميرها جواً؟ هل خافت روسيا من اندلاع حرب نووية على الأراضي السورية بعيداً عن مدنها؟ هل سترد روسيا على القصف الامريكي مستقبلاً؟ هل ستفعل روسيا اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها مع سورية؟
أخيراً الممثل الشهير ترامب ومن خلال مسرحيته الجديدة يستحق الحصول على جائزة أوسكار لهذا العام، فقد ارتفعت شعبيته في الشارع الأمريكي لأول مرة، وتراجع الضغط السياسي والإعلامي والشعبي عليه، وسيتذوق ترامب طعم الفوائد الكثيرة داخلياً وخارجياً على أشلاء ودماء أطفال وشعب سورية