جاد الغيث |
طوال الوقت نردد الأرقام ونستعملها في الحساب والتصنيف والتاريخ وغير ذلك، ومع أن الرقم من العالم المادي، لكنه في الواقع يرمز إلى عمق المشاعر ويخفي وراءه ملايين الأحداث الكبيرة والصغيرة والقصص المحزنة والمفرحة والعابرة..
يرمز الرقم مثلاً إلى تاريخ اندلاع الحروب وسقوط الدول، إلى تاريخ الميلاد والزواج، إلى تاريخ وفاة العظماء ومن نحب من الأهل والأصدقاء، وفي كل رقم أمنيات وأحلام وأوجاع وصلوات عند من تمثلهم هذه الأرقام.
كم تمنينا عند رقم معين لو توقف الزمن، ربما يحدث ذلك مع أحدهم في برنامج من سيربح المليون! وكم تمنى السوريون الأحرار لو توقف الزمن عام 2014 حين كانت الثورة السورية في أوجها! وكم غصَّت حناجر السوريين بأرقام المعتقلين! ففي نهاية عام 2015 كان هناك 67،561 مختف قسرياً في سورية خلال سنوات الثورة التي مضت.. وراء بعض الأرقام موجة عارمة من الذعر والقهر والذل، كالأرقام المكتوبة على جثث من ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام.
ترى هل للأرقام مشاعر؟!
رقم ما مثلاً هل يشعر بالأسى لأنه مكتوب على جثة معتقل؟! وهل يشعر ذات الرقم بالفرح حين يكون على شهادة جامعية، أو يشير إلى معدل الامتياز في اختصاص ما؟!
أعمارنا أرقام، وإنجازاتنا أرقام، وحبنا وكرهنا مرتبط بأرقام، وراء الرقم وجوه نحبها ونتلهف لرؤيتها في كل حين، وراء الأرقام وجوه من سافروا أو رحلوا وتجمدت أرقامهم في هواتفنا الذكية وصارت الأرقام رمزًا صامتًا جميلاً لهم دون أن نراهم أو نسمع صوتهم، مات الرقم ولم تمت المشاعر المرتبطة به!
لربما تُحدد بعض الأرقام مستقبلاً أفضل أو أسوء للبعض، ماذا لو وُلد أحدنا قبل خمسين عامًا ؟! أو ماذا لو أنه سيأتي إلى هذا العالم بعد خمسين عامًا من الآن؟!
لربما نجى من حرب طاحنة، أو لربما كان نجمًا لامعًا في اختصاص ما.
سألت صديقي المقرب (أيمن) عن رقم وتاريخ لا ينساه أبدًا، فذكر لي قائلاً: ” 27 أيلول 2016 يومها استشهد تحت الأنقاض 11 شخصًا من عائلتي بصاروخ رمته طائرة روسية على أرض سورية.”
هناك تواريخ لا ينساها كلُّ البشر، وهناك أرقام خاصة بكل شعب، وأخرى خاصة بكل إنسان على حدى. ولكن ماذا يحمل كل سوري في ذاكرته حول تاريخ آذار 2011؟!