جاد الغيث |
مرَّ يومان وأنا محبوس في صيدليتي لم أستطع الخروج منها بسبب القتال الذي اشتد فجأة بين فصيلين عسكريين يحاول كل منهما السيطرة على قريتي المسكينة التي أعيش فيها، فوقعت القرية بين نارين، حرِّ الصيف الشديد، ولهيب النيران المندلعة!
وكلما هممت بمغادرة المكان تشتد القذائف التي تجعل الناس يتسمَّرون في أماكنهم، وعلى هذا الحال أمضيت يومين وليلة وأنا محتجز بين علب الالتهاب وحبوب الضغط والسكر وإبر (حبة السنة) التي شوهت وجوه الصغار والكبار، وقد توقف الداعم عن تقديمها لنا، فخبأت منها في درج خاص تحسبًا لحالات شديدة مؤلمة.
كنت أعد الحقن المتبقية حين هوت الشظايا قريبًا من الصيدلية، قطع الصوت المُخيف تأملي في علب الدواء، تجاهلته واتجهت بعيني نحو رفّ (المقويات الجنسية)، ورحت أضحك في سري على مسميات أهل قريتي لهذه الأدوية، فالفياجرا المعروف بالحبة الزرقاء، يطلقون عليه (حب الغسل) ذلك أنه يُوجب على الزوجين الاغتسال بعد تعاطيه، كما أنهم يسمون حب منع الحمل باسم غريب هو (زرار تلكيع)، وحب الصداع المعروف باسم (ريليف) يطلبونه بناء على صورة العلبة (عمي بدنا حب وحدة ماسكه راسها)
ويبدو أن البعض يُبدع في تسمية الأشياء أو الأدوية بما يناسب فهمه أو عمله. وقبل غروب اليوم الثاني هدأ القتال بين الأخوة، وهممت بالخروج إلى بيتي، فزوجتي تكاد تصاب بالجنون من هول القذائف، مُضافًا إليها هول الظنون، فهي تعتقد أنني متزوج عليها، وأنني أستغل ظرف القتال للهروب إلى الزوجة الثانية التي لا وجود لها إلا في الخيال.
أرسلت إلي زوجتي الغيورة ما يزيد عن مئة رسالة صوتية، وقريبًا من ثمانين اتصال فيديو، للتأكد من وجودي في مكان عملي تطالبني الآن بالتوجه إلى البيت فورًا، وإلا ستأتي إلي مع الأولاد.
سحبت قفل (الجوزة) من الدرج وأغلقت الباب بهدوء، وإذ به ينادي (لحظة.. لحظة …يا حكيم)، فتحت الباب مجددًا، فدخل رجل عريض المنكبين، طويل اللحية، في عينيه بريق غير مريح، وبصوت عال وأجش: “عطينا قاذف الـ (ر ب ج)، أكيد هو عندك.” بصراحة أصابني الهلع من الطلب الغريب، وظننت أنه يعتبرني محسوبًا على الجهة الأخرى المُعادية، وأنني بقيت في الصيدلية يومين متتاليين لإمداد الفريق الآخر بالسلاح.
حاولت إخفاء توتري، وأجبته بثقة: “صلِّ على النبي يا ابن الحلال، لا عندي قاذف ولا بارودة..” ضحك مستغربًا وأضاف: “أي طلاع من هالبواب، إلا ما يكون عندك شي عيار، 50، 100، 130، ما بتفرق، دبرها حكيم.” وصار الكلام صد ورد، “وما ضل حدا لحدا” لحتى فهمت قصده بأنه يريد الفياجرا، ولا مشكلة لديه من أي عيار موجود (فياجرا 50، فياجرا 100، لا مشكلة، فالزلمة حافظ درسه مزبوط)
ولكن من أين أتى صاحبنا الظريف المُخيف بهذه التسمية المُبتكرة التي تؤهله للترشح إلى جائزة (قاذف) قياسًا على جائزة (نوبل)؟! كما أخبرتكم سابقًا المسمى مرتبط بواقع العمل أحيانًا، وربما لأن بيئة الحرب طوال سنوات غيرت في لغتنا وتعبيرنا، فصار العنف والسلاح يدخل حتى في تسمية الأشياء المحيطة بنا، ووصل التغيير إلى عالم الدواء وربما يمتد إلى عالم الغزل، وكما يغازل المهندس المعماري زوجته بعبارة يا سرة عمري، والنجار يا منشار روحي، فإن هذا المقاتل العنيد القوي، ابتكر اسمًا غريبًا لدوائه، وربما هو يغازل زوجته في ساعات الصفا بقوله: (يا قذيفة قلبي)!
وأنتم أعزائي هل لديكم مسميات مبتكرة، تناسب الصراع الذي نعيشه، وقد قال يومًا أحدهم: “للحرب تأثير خطير على الأخلاق والأفعال والأقوال، وهي غالبًا تُخرج أسوأ ما فينا”.