أنس إبراهيم
بعيداً عن الحديث في شؤون الثورة من حيث أسلمتها أو ديمقراطيتها وطبيعة شكل الدولة التي تسعى إليها كل القوى الثورية الفاعلة على الأرض، ولا سيما الفصائل العسكرية المقاتلة مع من يندرج تحت سياستها ونهجها من باقي المؤسسات الإعلامية والخدمية والوظيفية وحتى التعليمية.
ناهيك عن الدور السياسي الذي يقوم به الائتلاف الوطني السوري على مختلف أشكاله وأطيافه للتأسيس لدولة ما بعد الثورة، يستوقفنا مؤتمر الأستانة بما حمله من تأثيرات استراتيجية على موقف كل منهم على حدة حسب مصلحة الثورة وأهدافها في تحديد رؤيتهم للتعاطي معه، والتي أحدثت بدورها عدة تغييرات سريعة طرأت على مجريات الثورة وهي في بداية مرحلة جديدة بعد التقاط أنفاسها الأخيرة من سقوط حلب.
منذ بدء قيام الدبلوماسيين الروس بالبحث عن صيغة وسطية لتوجيه الدعوات لانعقاد المؤتمر أخذت التجاذبات السياسية والدبلوماسية بالتطور بين الدول الثلاث الراعية له: “روسيا وتركيا وطهران” حول المشاركين فيه من أحلافِ كلّ منهم، وما لبثت أن ظهر صداها في الساحة السورية بين معارض ومؤيد لها قبيل انعقاده، بينما شكل انطلاقه في 23 كانون الثاني قدح شرارة الاقتتال بين جبهة فتح الشام وجيش المجاهدين والجبهة الشامية فيما تبقى من المناطق المحررة في الشمال السوري.
الأمر الذي دعا فيه أئمة أهل العلم كبرى الفصائل الثورية إلى الانضمام إلى حركة أحرار الشام الإسلامية حرصاً على الساحة الشامية من خطر النظام المستفيد الأول من ذلك الاقتتال.
وبالفعل أعلنت فصائل (ألوية صقور الشام وجيش الإسلام ــ قطاع إدلب، وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما أمرت والجبهة الشامية ــ قطاع ريف حلب الغربي) عن انضمامهم إلى الحركة تأكيداً منهم على الالتزام بأهداف الثورة، والالتزام بحمايتها وحماية أهلها، وحرصاً على القيام بما يمليه عليهم الواجب الشرعي والثوري حسب تدبيجة البيان المشترك الصادر عنهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تغيرت أهداف الثورة بعد مؤتمر الأستانة عما قبله حتى أحدث ذلك الانضمام والانصهار السريعين في بوتقة الحركة وبدون عقد اجتماعات مطولة؟ ألم يملي عليهم واجبهم الشرعي والثوري ذلك قبل سقوط حلب؟ أين كانت مصلحة الثورة من هذا الانضمام الذي نصبو إليه أثناء عمليات دبيب النمل لقوات النظام طيلة سنتين حتى وصل إلى غايته في حصار حلب؟
أسئلة تجيب عنها جميع الأشلاء والضحايا التي زهقت في حلب، وجميع المهجرين الذين عانوا قسوة الحصار والقصف والدمار، كما تجيب عنها أزقة حلب وحاراتها التي دنستها أقدام الميليشيات الطائفية.
أنا لا أقدر شيئاً لطرف على حساب طرف آخر، ولكن على ما يبدو أن مؤشرات تحول تلك الأحداث السريعة ستقود إلى تشكيل قوتين صلبتين في الشمال السوري، تمثل كل واحدة منهما قطباً، إحداهما سالبٌ والآخر موجبٌ.
وبدلاً من أن نضيع الوقت في حل رموز المعادلة الجديدة التي فرضت نفسها في ظل تلك المتغيرات السياسية، علينا المضي قدماً في البحث عن مصلحة الثورة وأهدافها التي فيها المنفعة الحقيقية للشعب الثائر من حيث الثبات على مبادئها، والتغيير بحسب الظروف والمتغيرات السياسية والعسكرية التي لها ارتدادات جارفة إن لم نكافئها بالمستوى ذاته من تقدير المصلحة المتعينة في قلب الحدث، ومن حيث شمولها لكافة أطياف الثورة التي تستمد قوتها واستمراريتها من ذاتهم.
وعلى ما يبدو يستحيل في المعادلة الجديدة التقاء القطبين في نقطة مركزية؛ إذ كما ينظر أحدهما للآخر على أنه مهبطٌ لأهداف الثورة وهو مصعدٌ لها، فالآخر كذلك ينظر له بالمثل.
ولكن ربما إذا نظر كلا الطرفين إلى الثورة من حيث المصلحة والمفسدة العامتين على عموم الساحة السورية في المآل التي ستجره تبعات هذا الاقتتال وعدم الاحتكام إلى طرف ثالث، لا شك أن مصالح الشعب في حمايته واستقراره ستكون من أولى حيثياتهما.
ويبقى السؤال هنا من يقوم بتلك المبادرة لإنقاذ الشمال السوري من العرضة لنيران قوات الأسد وميليشياته؟