شاهد العالم قبل ايام مظاهرات البازار الذي هو اكبر سوق تجاري في طهران ، وله من المزية ما يجعل منه مرآة حقيقية لما يجيش في صدور الايرانيين الذين اختطفهم نظام الملالي طوال اربعين عاما ودمر احلامهم ومكتسباتهم .
علق كثيرون ، بل إن البعض شمتوا من الشعار الذي رفعه المتظاهرون ومن الهتافات التي اطلقوها عندما كانوا يصرخون هناك وفي مكان آخر ” الموت لفلسطين ” وهذا الشعار ، لمن يحسن قراءة المشهد من كل جوانبه ليس موجها ضد فلسطين ولا الفلسطينيين ولا لأية جهة اخرى بقدر ما هو موجه للنظام الذي اتخذ من فلسطين ذريعة للتسلط على الشعب الإيراني والسوري واللبناني واليمني والعراقي بل على المنطقة بأسرها .
هناك ضغوط على المواطن الايراني العادي وعلى الموظف والتاجر والعامل والعاطل ، على المثقف وعلى الخريج وعلى الشباب الذين يشكلون الأغلبية ، حيث لم تعد الحياة محتملة في ظل وضع وصل سعر الدولار فيه لحوالي 9 آلاف تومان ، اي للضغف تقريبا خلال عام ، حيث سئم كل هؤلاء وغيرهم هذا النظام الذي يوزع ثروات البلاد على نفسه أولا ويسيطر حرسه الثوري على اغلبية مفاصل السياسة والإقتصاد ، ويقوم بتمويل ميليشيات وأنظمة قمعية دموية تلتقي معه ومع وليه الفقيه في نفس الهدف .
لم يكن تجار البازار في طهران وحيدين ، بل سبقهم في الإضرابات والإعتصامات واغلاق الطرق الرئيسية الداخلية والخارجية سائقو الحافلات بسياراتهم التي لم تعد تجدي كمصادر رزق كريم للأسرة ألأيرانية العادية ، بالإضافة إلى القوميات الاخرى ومنها عرب الاهواز الذين خرجوا الجمعة في مظاهرات وهتافات ضد تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية وهو ما وقع في مختلف المحافظات الاخرى ” محافظات الاطراف ” التي لم تشهد اي نمو ولا أي تطوير في البنى التحتية ناهيك عن عجز الدولة في تقديم المساعدات لعشرات آلاف الأسر الذين تعرضت قراهم للتدمير بفعل العوامل الطبيعية وغيرها ، وقس على ذلك مختلف أوجه التردي الحكومي مع شعب نصفه جائع يبحث عن غذاء ودواء وحرية بلا جدوى .
لم تملك السلطة القمعية في إيران سوى ضرب هذه الحشود واعتقال المئات ، وها هو علي خامنئي يخرج مرتين خلال يومين مهددا ومتوعدا حيث طلب من القضاء التعامل مع المتظاهرين بحزم ، ومن الإيرانيين التصدي للمؤامرة ” التي تحاك ضد ايران ” ، بينما قال قائد الحرس يحيى رحيم صفوي : “من واجبنا جميعا أن نعمل معا لمساعدة حكومتنا الموقرة وبقية الفروع الحكومية في حل المشكلات الاقتصادية ” دون أن يتطرق للمليارات التي ينهبها الحرس والنظام بعيدا عن رقابة حقيقية من الشعب الذي وصلت نسبة الفقر لديه كما أشرنا بما ينوف عن 45 % وفق بعض التقارير .
اغلاق البازار واضراب تجاره يعتبر الأول منذ العام 1979 ابان الثورة الخمينية ، والنظام يجهد في تقديم روايات مختلفة كليا للاحتجاجات ويحاول أن يلبسها تارة لبوسا اقتصاديا فجا ، وتارة يرمي باللائمة على ” المؤامرات الخارجية ” مع أن اسبابها اقتصادي وسياسي واجتماعي معا ، فماذا تراه سيحمل المشهد من مفاجآت إذا أخذنا في الإعتبار أن مظاهرات البازار في طهران وبقية المحافظات انطلقت قبل البدء الفعلي بتطبيق العقوبات الأمريكية الصارمة في آب القادم ؟ .
النظام يتحسس رأسه ، ومن أجل ذلك فإنه مستعد لإبادة نصف الإيرانيين على مذبح الولي الفقيه الذي يوفر للنخبة الحاكمة في الحرس والأمن مزايا لن يسمحوا بتهديدها أو الإقتراب منها أيا كان الثمن .
هكذا تقرأ تصريحات خامنئي التي اطلقها بين ضباطه ، وهذا هو الوضع حتى الآن .. والقادم أعظم .
المصدر: JBC الأخبارية