مريم إبراهيم |
في بلدة (معرة مصرين) ريف إدلب، يجتمع بعض النسوة يوميًا ليقمنَ بصنع المونة، وتخزينها وبيعها في (دكان صغير) على الشارع العام، يوجد فيه جميع أنواع المونة من المخللات والمربيات، والمونة المجففة للشتاء والصيف.
في أيام شهر رمضان المبارك تصنع (أم إسماعيل) مع عدة نسوة المونةَ وتبيعها بسعر أرخص من سعر السوق السوداء، وتشغل عددًا لا بأس به من النساء المحتاجات للعمل.
(خالد إسماعيل القصير) ٤٥ عامًا من بلدة (معرة مصرين) كان سبب نجاح زوجته (أم إسماعيل) ٣٩عامًا، حيث دعمها ماديًا ومعنويًا وساهم بشكل كبير بإحضار جميع المستلزمات المونة.
تقول (أم إسماعيل) لصحيفة حبر عن بداياتها في تحضير المونة: “بدأت العام الماضي بتحضير المونة بدعم من زوجي ووالدتي، وكانا رأس مالي الحقيقي، ووقتها بدأت بغرفة صغيرة بمنزلي لأنني على دراية بأمور المونة، فاردت تجريب الفكرة ونجحت.”
(أم إسماعيل) من مشروع فردي صغير إلى تشغيلي
تقول (أم إسماعيل): “بدأت بمفردي، أما الآن فساهمت بتشغيل الكثير من النسوة اللواتي وجدنَ في عملهنَّ مدخولًا يوميًا يساعدهنَّ على تكاليف الحياة، وأغلبهنَّ من الطبقة الفقيرة والنازحة، فنحن النساء نجيد العمل بالمونة ونحبه.”
(أم محمد) ٢٣عامًا نازحة من بلدة الهبيط ومقيمة في بلدة (معرة مصرين) إحدى العملات مع (أم إسماعيل) تقول: “زوجي يعمل في سوق الهال عتالًا، ولا يكفي عمله لسد حاجاتنا في ظل هذه الظروف ومنزلنا بالإيجار، وهذا ما دعاني للعمل مع أم إسماعيل، وأنا مسرورة جدًا بعملي وأحصل فيه الأجر المناسب والحمد لله.”
وفي هذا الصدد تقول (أم إسماعيل): “تصل يومية العاملة إلى 3000 ليرة سورية، ويعمل معي ما يقارب العشر عاملات.”
منتجات المونة وشعار (أن أكون عونًا لزوجي)
تكمل (أم إسماعيل) لتشرح لنا كيفية العمل والمنتجات بقولها: “شعاري أن أكون عونًا لزوجي وتأمين مستقبل جيد لأطفالي، وهذا ما دفعني للعمل بالمونة التي هي ثقافة المجتمع السوري ولها موسمها، وتقتصر على تحضير المواد المراد تخزينها وحفظها بنظافة تامة وتحت إشرافي على العاملات، وعلى سبيل المثال نضع الأجبان والألبان وما شابه بمرطبنات وفرزها، والمربيات والمخللات بمرطبنات أخرى وفرزها، ونحضر المواد التي تحتاج إلى عصر كالبندورة والرمان وغيرها وتعريضها للشمس، ونحضر المواد التي تحتاج إلى تجفيف كالباذنجان والملوخية والبامية والنعناع.
أما الكميات التي نقوم بإنتاجها يوميًا فغير محددة، أحيانًا نعمل منذ الساعة ٨ صباحًا حتى الساعة ٨ مساءً، وأحيانًا تكون المدة أقصر بحسب الكمية الخضار والفواكة التي نريد حفظها.”
تصريف المنتجات
تقول (أم إسماعيل): “تسويقنا شعبي بحت، فأنا لا أقوم بالتسويق بالسوق السوداء، لضعف القدرة المالية، فالكميات التي نقوم بتحضيرها لا تكفي لتصديرها إلى السوق، ولدينا زبائن والحمد لله يثقونا جدًا بنا وبمنتجاتنا، وأسعارنا تنافس السوق بشكل كبير وملحوظ وبكفاءة وجودة أكبر.
آثرت ألَّا أرفع أسعار المؤنة وسط هذا الغلاء؛ لأني اشتريت المستلزمات من خضار وفواكة بأسعار رخيصة، ولن أقبل أن أكون مثل رخيصي الضمائر، ومنتجاتنا خالية من الغش ودون مواد حافظة.”
(أم فارس) ٤٠ عامًا من بلدة معرة مصرين، تجد في عملها مع (أم إسماعيل) سعادة، ويدر عليها دخلًا، ويقمنَ بأعمال أخرى، تقول: “أحببت العمل جدًا وأتمنى أن يكبر المشروع ويصبح على مستوى البلدة، فمنتجات السوق والمعامل لا تضاهي منتجات المنزل، وكثير من النسوة يحلمنَ بعمل خارج منزلهنَّ يساعدهنَّ ماديًا ونفسيًا، وبالإضافة إلى المونة نقوم بأعمال الطبخ أيضًا، كلف ورق عنب، وتحضير الشيش برك، وحفر الباذنجان والكوسا، وفرط البازلاء والفول.”
تقول (أم إسماعيل) في نهاية حديثها: “أتمنى من المنظمات أو أي جهة مسؤولة عن المشاريع الصغيرة مساعدتي لتوسيع عملي، فالعمل حياة أخرى للمرأة وعلينا جميعًا نحن النساء اللواتي لم نكن موفقات بالدراسة السعي للحصول على عمل مهما يكن؛ لكي نساعد أزواجنا وأهلنا بظل ظروف الحرب.”
نساء سورية لم يعرفنَ لليأس مكانًا في قلوبهنَّ، قاومنَ متغيرات الزمان وواجهنَ التحديديات بنشاط وهمة ومايزال شعارهنَّ أن يكنَّ عونًا لأزواجهنَّ.