علي سندة |
“لا يعرفون أن اليوم عيد الأضحى.. أطفال يسكنون تحت الأشجار في ريف إدلب الشمالي” تحت هذا العنوان أجرى مراسل الجزيرة مباشر لقاءه مع الأطفال وذويهم في أحد المخيمات تحت أشجار الزيتون، في تقرير مرئي ينتهك مواثيق العمل الصحفي والمهنية، ما دعا قناة الجزيرة لتعديل بسيط لم يفِ بالغرض بعد موجة انتقادات.
جاء في ميثاق الشرف المهني لقناة الجزيرة: “معاملة جمهورنا بما يستحقه من احترام، والتعامل مع كل قضية أو خبر بالاهتمام المناسب لتقديم صورة واضحة واقعية ودقيقة مع مراعاة مشاعر ضحايا الجريمة والحروب والاضطهاد والكوارث وأحاسيس ذويهم والمشاهدين واحترام خصوصيات الأفراد والذوق العام” وجاء أيضًا في باب العنف والمحظورات الأخلاقية: “ينبغي تجنب بث كل ما يحض على العنف ويروج له وعدم بث صور مشاهد العنف ما لم تكن عنصراً مهماً من عناصر المادة المراد بثها (المراد بالعنف هنا كل فعل لا مبرر أو مسوغ له يهدف إلى إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بكائن حي، خاصة الآدميين)، وعند حجب مشاهد العنف مراعاة لمشاعر المشاهدين، ينبغي إعلان ذلك”. وورد في المادة 7 من الميثاق بشأن الخطأ إن وقع: “الاعتراف بالخطأ فور وقوعه والمبادرة إلى تصحيحه وتفادي تكراره”
وغيره من الفقرات التي وردت لضبط المهنة، إذًا الموضوع لا يخرج عن كونه سقطة وقعت بها الجزيرة ينبغي أن تتراجع عنها سريعاً، لكن يبدو أيضًا أن المراسل لم يقرأ ميثاق شرف المهنة كيلا يقع في المحظورات ويُسبب الألم للأطفال ولذويهم أيضًا، فأين المراجعة والتحرير والتدقيق لأخطاء المراسلين؟!
التقرير المباشر الذي تم بثه سأل فيه المراسل الأطفال الأسئلة التالية: “عمو اش اسمك، وبتعرف أنه اليوم العيد، وليش مالك لابس تياب العيد، كني أبوك ما اشترالك مو هيك؟!” غالبية الأطفال لم تتجاوز أعمارهم العاشرة، أحد الأطفال سأله المراسل بشكل مباشر: “ليش مالك لابس تباب العيد” أجابه ببراءته: “ما عندي” فلمَسَ المراسل منه الألم ورغبته بالبكاء، فما كان منه إلا أن طلب من المصور عبر نظرة أوحاها إليه بالتركيز على وجهه لاستغلال اللحظة، وفعلاً أشاح الطفل وجهه عن الكاميرا اللعينة التي سببت له الألم وبكى بغصة وحرقة كبيرتين واضعًا يده على وجهه في مشهد ينتهك المهنية الصحفية ويتعرض للأطفال ومأساتهم، إنه باختصار عنف نفسي ضد الأطفال، وهذا المقطع بالذات هو ما حذفته قناة الجزيرة مباشر فقط لا غير وأبقت على باقي التقرير المليء بالانتهاكات ويجب حذفه كله لعدة أسباب، منها أن المراسل التقى الآباء أيضًا وسألهم عن العيد وعن عدم شراء اللباس لأطفالهم! أي حرقة زرعها في نفس ذلك الأب النازح تحت أشجار الزيتون؟!
وأي شعور أوصله للطفل أمام والده الذي لم يشترِ له اللباس؟! بل هل يُسأل أطفال نازحون لم يتجاوزوا العاشرة من العمر عن العيد ولباس العيد والفرح بالعيد في وقت كان يجب أن يكونوا فيه يلعبون ويمرحون؟! وهل يُسأل ذووهم وهم في حال يُرثى لها؟! التقرير لا يُمكن تصنيفه إلا من باب استثمار هكذا مراسلين وناشطين لمأساة النازحين وحالهم لإجراء تقارير غرضها كسب المال والانتشار.
العنف النفسي الذي تمت ممارسته بحق الأطفال وآبائهم، وعدم احترام مشاعر ضحايا الجريمة والحروب، وعدم احترام مشاعر الجمهور، وحذف مقطع الطفل الباكي فقط والإبقاء على التقرير علمًا أنه كله انتهاك مهني للصحافة من خلال الأسئلة التي تُركز على زيادة معاناة الناس، كل ذلك يبقى برسم قناة الجزيرة.
رابط قناة الجزيرة مباشر الذي حُذف منه مشهد الطفل الذي بكى وتألم: