بقلم: سعود اﻷحمد
لا تزال بشائر النصر ترد من معارك الميدان في مدينة حلب، فقد حقق الثوار فيها تقدما سريعا لم يتوقعه صديق ولا عدو، ولقد باغت اﻷخير وفاجأه ووضعه في خانة اليك بعد أن كان يحضر نفسه ليقلب الطاولة ويعلن انتصاره. مع استمرار الحملة الجاهلية التي يشنها العدوان الروسي الفارسي ظهرت بشريات التأييدات الربانية للمدافعين عن دينهم وثورتهم وأرضهم، كما ظهرت حنكة الاستراتيجية العسكرية التي وضعها الفاتحون لكسر الحصار عن مدينة حلب أمام عقلية الجيش السوري النظامي وتراجع قدراته الذهنية والقتالية بسبب اعتماده الكلي على الوحشية والإجرام.
لقد سقطت عنجهية النظام السوري وبانت سوءة المحتلين وانقلب السحر على الساحر، وذلك يعود إلى الاستراتيجية الواقعية التي استغلت طبيعة اﻷرض واﻹمكانات الهجومية التي تم إعدادها لمثل هذه المرحلة، ممَّا أجبر العدو على الانسحاب بعد كسر خطوطه الدفاعية في (كتلة الحكمة وتلة أحد وتلة المحبة وتلة مؤتة ومدرسة الحكمة) في الريف الجنوبي، وتلقيه خسائر مادية وبشرية والحصول على إمدادات ذخيرة تدفع الثوار للتقدم.
ويمكننا أن نرجع التفوق الميداني الكبير إلى جملة من اﻷسباب التي يتوجب علينا تسليط الضوء عليها باعتبارها عوامل مهمة للنصر، منها:
1-محدودية القدرة العسكرية للعدو:
فقد ظلَّ النظام يحشد قواته زمنا طويلا أدى إلى استنزافها، ثم حقق تقدما وبنى عليه نصرا وهمياً وأحلاماً سعيدة يرى فيها المسلحين يسلمون أسلحتهم ويعودون إلى أحضان سجون الوطن، إلا أنَّ الرياح لم تجري كما تحب سفن النظام، فتفرقت جهود الغزاة وخارت قواهم المعنوية.
إنَّ سوء القيادة والغباء العسكري وصل إلى ما وراء الكواليس في القيادات العسكرية النظامية، فزاد من تزعزع العلاقة بين العناصر والرؤساء، وظهرت الاتهامات بالبيع والقبض والهروب، وذهبت تنظيرات الجيش السوري وأعماله التي استمر بها على مدار السنة سدى، وحطمتها واقعية الثوار وتفوقهم العسكري وإيمانهم بقضيتهم.
2-اعتماد الثوار استراتيجيتي حرب العصابات في المدن وحرب الجيوش في ساحات المواجهة المفتوحة:
فبعد التقدم الذي حققه حيش الفتح في محيط مدرسة الحكمة في الريف الجنوبي توجه شرقا باتجاه كلية المدفعية ليحررها، وتوجه شمالا ليدخل حي الحمدانية، وهذا الخيار الاستراتيجي من الخيارات التي اعتاد عليها الثوار، وأربكت النظام إذ نقلت المعركة إلى أحياء المدينة التي يحتلها، والثوار مدربون على هذا النوع من القتال، أمَّا النظام فعلى الرغم من تنبهه على خطورة هذه الحرب وخوضه لها إلا أنَّه ما زال غير قادر على المواجهة، ويعود ذلك إلى فقدانه التلاحم والترابط العضوي، وضعف خبرة عناصره المرتزقة بمناطق الاشتباك، ويبدو أنَّ مخاوف الروس التي تعود إلى أيام الحرب في غروزني عام 1994قد انتقلت إلى النظام السوري، ومن المعلوم أنَّ حرب المدن تلغي التفوق التكنلوجي العسكري وتربك حركة الطيران وتشتت انتباهه.
3-وحدة صف الثوار والاستجابة لنداءات نصرة حلب:
لقد كان الصف الثوري داخل مدينة حلب المحاصرة وعلى مشارفها نموذجا لما يجب أن تكون عليه جميع العاملين في الثورة ومن الفصائل المسلحة في سورية كلها بشكل خاص، وقد ظهر بوضوح أنَّ الانقسامات التي يعيشها أهل الشام عامة وفي حلب خاصة إنَّما هي السبب اﻷول لتقدم العدو عليهم. كما كان لفتح باب المشاركة في فكِّ الحصار لجميع المتطوعين وتحضير مجموعات الانغماسيين والفدائيين الاستشهاديين قوة كبيرة في المعركة، وقد أدَّى ذلك إلى حالة من اﻹحباط في صفوف العدو وانخفاض معنوياته وإلقاء الرعب في قلبه، فتحولت معركة فك الحصار إلى كابوس يجتاح النظام في عقر احتلاله، ويجتاح جنوده الذين يحبون الحياة وإن كانوا عبيدا وأذنابا.
4-تفوق اﻹعلام الثوري وكذب اﻹعلام النظامي:
اعتمد اﻹعلام الثوري على الصدق بالدرجة الأولى وعلى الحقائق المستندة إلى اﻷحداث الواقعية واﻷدلة والبراهين الواضحة، في حين كان اﻹعلام الرسمي مشغولا ببث اﻷناشيد التي تحيي قائد الوطن وجيشه وبتكذيب كل خبر عن تقدم الثوار، ممَّا أضعف الثقة بينه وبين مؤيديه خاصة بعد أن وصل البل إلى ذقونهم في حي الحمدانية. وفي ذلك الوقت أيضاً كان اﻹعلام التهريجي يبث المسلسلات الكوميدية عن الممرات اﻹنسانية واستقبال العائدين إلى حضن الوطن وتسليم المسلحين أنفسهم بصورة مضحكة.
لقد خالف اﻹعلام الرسمي كعادته كلَّ قواعد المهنية اﻹعلامية وكلَّ قواعد فن الدعاية، فكشف عن كذبه بعد بدء معركة فك الحصار بنصف ساعة، فعلم الشبيح قبل غيره والمؤيد قبل، غير أنَّ إعلام اﻷسد لا يخاطب عقولا بشرية وإنَّما يخاطب أكياس رمل وخشبا مسندة.
ومهما يكن من أمر فإنَّ المعركة ما زالت في بدايتها ولن تكون سهلة ولا سريعة الحصول على مبتغاها ولا قليلة التكاليف المادية والبشرية ولكن مقدمات النصر لاحت منذ التحرك اﻷول للمجاهدين، فلم يعد يفصلنا عن تحرير باقي المدينة إلا بضع جولات للحق يزهق فيها الباطل ويرتد على أدباره.