نكاد نجزم أن هذه الفترة هي أشد فترة عصيبة اقتصاديا تمرُّ بالثورة، فالتشديد الحدودي مع تركيا، وإغلاق المعابر الشمالية بسبب المعارك، وارتفاع وتيرة التهجير والنزوح الداخلي في الشمال، وتراجع دعم المنظمات والفصائل، كلُّ ذلك دلائل على عمق الأزمة الاقتصادية للثورة السورية.
من الأمور التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، والتي علينا الاعتراف بها كمقدمة لحلِّ المشكلة أو الاستفادة من الخطأ لاحقاً، عدم اهتمامنا بالمشاريع الإنتاجية، خاصة تشغيل المعامل وحمايتها، أو استثمار الأراضي الصالحة للزراعة.
لكن مايزال لدينا ورقة رابحة أظن أنها لمّا تأخذ دورها بعد في دعم الثورة، ألا وهي ورقة المغتربين الثوريين.
لايزال كثير ممَّن يؤمن بفكرة الثورة السورية موجودة في دول الخليج وتركيا وأوروبا، ويمتلك دخلاً جيداً جداً مقارنة بمن هو في الداخل، ولو أن كلَّ شخص من المغتربين الثوريين تبرَّع بمعدل خمسة بالمئة من دخله لصالح شخص يثق به داخل سورية، لساهم ذلك في دعم صمود الشعب السوري الحر المكلوم.
لا نريد مزيداً من المنظمات، بل نريد مزيداً من الجهد الفردي عبر القنوات الموثوقة الخاصة، خاصة أن الكثيرين يتذرعون أن المنظمات غير موثوقة، وهناك عدد كبير من المختلسين والمنتفعين فيها، لذلك يبقى التحويل الفردي لشخص موثوق أو عائلة بعينها، هو الحل الأفضل.
للأسف نجد نسبة كبيرة ممَّن هم في الخارج ومحسوبون على الثورة يساهمون في سحق الثوار وكرامتهم عبر تعييرهم أنهم يتبعون لفصيل لديه سلبيات، أو بموضوع الدعم الخارجي المسيس، ويرسمون لهم صورة قاتمة ظالمة على أنهم مرتزقة ولصوص، وهذا يدفعني للتساؤل عن دور المغتربين الثوريين في دفع عجلة الثورة للأمام، مقابل من يتهمونهم بالارتزاق واللصوصية!
النسبة العظمى من الثوار في الداخل إما انضوت تحت فصائل عسكرية غير مقتنعة بها أو بسياستها؛ لأنها تريد أن تبقى حاملة للسلاح المدافع عن الثورة من غير أن تموت هي وعائلاتها من الجوع، أو تركت العمل العسكري لصالح المنظمات المدنية، وهناك جزء كبير منها يملك أجندات مشبوهة، التي تدفع أكثر من الفصائل العسكرية، وهذا يعني تحييد نسبة أكبر من الشباب الثائر عن العمل العسكري، وبالتالي خلق فراغ في صفوف حملة السلاح لن يسدَّه إلا اللصوص والمرتزقة.
لو أن الشباب الثائر في الداخل وجد من إخوانه في الخارج السند والإعانة، لكان أصلب موقفا تجاه مصلحة الثورة، ولبذل أكثر وتمسك أعمق بثوابته الثورية، وعاد نفع ذلك كلُّه على الصالح الثوري العام.
لن أسرد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن فضل كفالة المجاهد والأرامل والأيتام، وفضل الإنفاق في سبيل الله، لكن سأعطي مثالين من واقعنا:
في حرب الإبادة التي شنها الصرب على مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، تواطأت الدول وفي مقدمتها من يدعي الإسلام على حظر إيصال السلاح والمال لمسلمي البوسنة، وهنا برز دور المغتربين في دعم قضيتهم مالياً، وتحريكها سياسياً حتى استطاع المسلمون كسر العدوان الصربي، والمحافظة على ما تبقى من وجودهم في البلقان.
إيران التي تحرك عشرات الميليشيات العسكرية الطائفية حول العال، تعتمد على مصدر مالي مهم في تمويلها، ألا وهو الخُمُس الذي يدفعه عوام الشيعة لرجال دينهم، وهو ضريبة تمثل 20 بالمئة من الناتج الفردي تعطى للملالي (رجال الدين)، التي تشكل مصدراً تمويلياً قوياً للميليشيات الشيعية.
قد تبدو فكرة التبرع بخمسة بالمئة لدعم الثوار فكرة غير منطقية أو ساذجة .. لا مشكلة، لنعتبرها تحفيزاً ذهنياً لخلق أفكار إبداعية تضمن تحقيق الدعم المالي المطلوب للثورة بما يحقق لها استقلالية قرارها.