بقلم باسل عبود
مئة عام قد مضت على اتفاق سايكس بيكو، الاتفاق الذي رُسمت بموجبه حدود دول بلاد
الشام والعراق الحالية، قرنٌ من الزمن ظلت تلك الحدود راسخة فيه، حيث أصبح الحفاظ
عليها واجبا مقدسا للأنظمة الحاكمة، وعقيدة قتالية لجيوشها في حماية تلك
الحدود.
واليوم تسعى الدول العظمى إلى الاستفادة من ثورات الربيع العربي التي قامت بها الشعوب للتخلص من عملاء هذه الدول، فسقطت أنظمة الحكم في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.
ولكن سرعان ما عادت الأنظمة القديمة إلى الحكم في تلك البلدان بصورة أو بأخرى.
المشكلة الحقيقية للغرب تكمن في الثورة السورية، إذ لم يستطع النظام إخمادها خلال السنين الماضية مع كل الدعم والتغاضي عمَّا يقوم به من جرائم تجاوزت الخطوط الحمر التي
رسمت له، ومع عدم وجود بديل للنظام السوري يقوم بحماية أمن إسرائيل ومصالح الدول
الكبرى.
نحن اليوم حقيقة أمام اتفاق جديد شبيه لدرجة كبيرة باتفاق (سايكس-بيكو) إنَّه اتفاق
(لافروف-كيري) فحوى هذا الاتفاق وباختصار يقوم على تقسيم سورية على أسس طائفية (دولة علوية في الساحل، وإقليم سني في الداخل) ولكن النقطة الأخطر في هذا الاتفاق شبيهة لدرجة كبيرة بوعد بلفور في اعقاب اتفاق (سايكس-بيكو) الذي نصَّ على إقامة كيان لليهود في فلسطين، ونحن اليوم أمام وعد آخر بإقامة كيان أو دويلة للانفصاليين الأكراد في شمال سورية، ومن مهام هذه الدويلة حماية المصالح الغربية في المنطقة، طبعا بالتنسيق مع
حليفتهم الأخرى إسرائيل، إذ لم يعد خافيا على أحد العلاقات بين الأكراد وإسرائيل، وأيضا إضعاف الثورة السورية لصالح النظام السوري، وإنَّ هذا الكيان سيكون خنجرا في الخاصرة التركية ﻹبتزاز الأتراك وإجبارهم على تقديم تنازلات في الملف السوري بوصفهم الداعم
الإقليمي الأبرز للثورة السورية.
الفترة الماضية شهدت تكشفا حقيقيا لهذا الاتفاق على الأرض، يتجلى بشكل خاص في
الحديث عن معركة الرقة المرتقبة، فالقوات الكردية في سورية تقاتل بغطاء جوي أمريكي مع أنَّها مصنفة في شقها التركي (حزب العمال) على لوائح الإرهاب الأمريكية وبدعم
روسي عسكري وسياسي، في حين كشفت مصادر أمريكية عن زيارة سرية قام بها رئيس
أركان الجيش الأميركي الجنرال (جوزيف فوتيل) إلى مدينة عين العرب (كوباني)
للتباحث حول معركة الرقة المقبلة بالتزامن مع إعلان الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة
عن مخطط أمريكي بالتنسيق مع روسيا لتسليم الرقة للأكراد.