علي تباب |
لا تقل حرب الأدلجة الفكرية في سورية ضراوةً عن تلك التي تجري بين جيوش تصارعت على اغتصاب البلد، فما بين مناهج الأسد ومناهج قسد ومناهج داعش تقلبت عقول الأطفال السوريين، ما ترك بصمة عليهم دون ريب.
(فداعش) ركزت على كتاب السياسة الشرعية كبديل لكتاب التربية القومية المعروف لدى نظام الأسد، فضلًا عن حذف مواد وإبقاء أخرى، وقامت مليشيا (قسد) بتغيير لغة المنهج كله من العربية للكردية وهو ما دفع الكثيرين وقتها لرفض التعليم برمته.
كل يغني على ليلاه
الخبير التعليمي (أحمد النبهان) في تصريح خاص (لحبر) أوضح أن “انتقال الأطفال من منطقة إلى أخرى وتغير الزمان والمكان والمنهاج، أثَّر على نفوس الأطفال وعقولهم. فتارة كانوا بمناطق الأسد التي يروج فيها لشرعيته الباطلة ورئاسته الساقطة عبر مناهج التعليم، وحاول أن يجعل من نفسه الرئيس المظلوم الذي تآمر عليه الكون بأسره، وصور الثوار الأحرار بأنهم متمردون وإرهابيون، وهو ما بدا واضحاً بمناهج الأسد الجديدة التي صورت المناطق المحررة بمزرعة الألغام، فيما حذفت بعض القصائد من صفحاتها لكون شعرائها من معارضين، إضافة إلى ركاكة اللغة العربية ودخول كل من اللغتين الروسية والفارسية”.
وأضاف النبهان: “تكرر الأمر نفسه عندما وقع هؤلاء الأطفال تارةً أخرى تحت حكم ميلشيات (قسد) الذين صوروا العرب بأنهم خونة، وهم وحدهم على حق وهم أصحاب الأرض، ويجب أن يكون لهم دولة مستقلة، وفيما بدا واضحاً إقحام حزب الاتحاد الديمقراطي لإيديولوجيته ضمن المناهج ونظرية الأمة الديمقراطية، وتجلى ذلك من خلال إلغاء المادة الإسلامية وإدخال مادة الثقافة بدلاً من القومية المعروفة بمناهج الأسد، جرى صراع بين قسد والأسد حول من سيسرق عقول الجيل، لتمنع قسد إرسال الأطفال إلى مدارس الأسد، فيما منع الأسد المدرسين من رواتبهم حال تدريسهم بمدارس قسد”.
وأردف الخبير التعليمي: “وكذلك الحال عندما وقع هؤلاء الأطفال تحت حكم تنظيم داعش الإرهابي الذي حاول غسل أدمغتهم وحاول نزع البراءة والطفولة منهم وبرمجتهم على الظلام والإرهاب والقتل والتفجير باسم الإسلام والخلافة والاثنان منهم براء براءة الذئب من دم يوسف”.
وفي حين تظهر غاية هذه الميلشيات الثلاثة وغيرهم وكل من ساندهم بنشر الجهل والقضاء على العلم وعلى هذا الجيل ونزع الرحمة والبراءة وقتل الطفولة وزرع سياسة الجريمة بداخلهم، وتغيير فطرتهم وإيديولوجيتهم الخامية إلى ما يخدم مصالحهم ومشاريعهم، قال مراقبون: “إن ما يجري من تخاطف لعقول الجيل بعيداً عن مصلحته جعل الأطفال كفاقد الهوية والذات، وكالتائه بالطريق والفاقد للوجهة ولمفتاح النجاة والخلاص، وأصبحت عقولهم مشوشة، فلم يعودوا قادرين على التمييز بين الخير والشر وبين الحق والباطل بعد كل هذا الزخم من المناهج التي درسوها من هذه الميلشيات (الأسد، وداعش، وقسد)
بصيص الأمل
لما كان وضع أي منهاج تعليمي يمر بمراحل متسلسلة، بحيث يبدأ من وضع الأهداف والغايات البعيدة التي تحتاج زمنًا طويلًا نسبياً لتحقيقها وهي مستمدة من السياسة العامة للدولة ومن فلسفة وقيم المجتمع إلى جانب القيم الأخلاقية والإنسانية العامة، قال النبهان: “اليوم وبعد ثماني سنوات من التهجير والتجهيل، أصبح لزاماً علينا أن ندع تسيس الجيل وأن نكتب لهؤلاء الأطفال منهاجاً دراسياً معتدلاً ووسطياً، لا يميل إلى اليمين ولا إلى اليسار ولا إلى الباطل ولا إلى الظلام، لا ينتمون فيه لا إلى حزب ولا إلى تنظيم ولا إلى جماعة ولا إلى تيار، نوضح لهم فيه حقيقة ما يجري اليوم على أرض وطنهم الجريح، وكيف ينبغي لهم ألَّا ينخدعوا باسم الوطن أو باسم الدين أو باسم الحرية، عسى أن نترك للجيل بصيص أمل يتعلمون فيه من أخطاء الماضي لبناء المستقبل”. وتابع قائلاً: ” وقبل كل هذا والأهم أن نختار لهم المعلم القدوة المعتدل الذي لا يزرع بداخلهم إلا العلم والحب والود والسلام”.
وبحسب خبراء يُعتبر بناء المناهج وتطويرها مشروعاً تربوياً وسياسياً مقصوداً ومنظماً، ومعنى ذلك أنَ الأهداف المرجوة واضحة ومُحدّدة وكذلك الخطط والأنشطة والوسائل المناسبة لتحقيق تلك الغايات.