كرّست معظم منظمات المجتمع المدني نفسها كممثّلة لأيديولوجيا الحداثة الليبرالية “الايديولوجيا الغربية”، وحاولت ان تظهر بمظهر الحيادي ودعمها لكل ماهو ثقافة محلية، لكنها لم تستطع اخفاء انها مسيّسة ومتحيزة تجاه مفاهيم الايديولوجيا الغربية، بل ويعتقد ارتباطها الوثيق بأنظمة الدول الداعمة لهذه المنظمات. تمارس هذه المنظمات ضغوطا على شرائحها المستهدفة لتأكيد مفاهيم تعتبرها اساسا صحيحا في المجتمعات مثل اشراك المرأة ودعم الاقليات، مما يجعل هذه المنظمات متحيزة مسبقا لماتعتقده صحيحا بغض النظر عن المجتمع الذي تعمل به.
تدعي منظمات المجتمع المدني انها تحاول اعادة بناء المجتمعات، وتدعو للمصالحات الاجتماعية، لكنها تقوم في نفس الوقت بتوظيف الرماديين، اي توظف على اساس طائفي او عرقي او بحسب الميول المجتمعية، او الجنس قبل ان تبحث عن الكفاءات وقبل ان تماصر قضية، فمعظم منظمات المجتمع المدني لاترى ان بشار الاسد جزار مثلا، بل تصور الحرب في سوريا انها حرب اكثرية سنية فيها فصائل متطرفة ضد اقلية علوية مسكينة، كما انتقدت كثير من هذه المنظمات الفصائل الثورية بشتى انواعها. ان شعارات منظمات المجتمع المدني والتي تتمحور حول السلم الاهلي، ومكافحة العنف (حتى ضد المرأة)، وحماية المدنيين من القصف والالتزام بالقوانين الدولية الانسانية من طرف واحد (الثوار) وابعاد المجتمع المدني السوري عن ثوريته بل ودعم ورشات تدريبية غبية لاتنتهي، ولاتهدف لتطوير المجتمع المدني.
كما ساهمت هذه المنظمات عن طريق اجورها المرتفعة نسبيا الى هجرة المقاتلين من الخطوط الامامية للخطوط الخلفية او الهجرة للخارج، بعد ان ارهقت الثوار وطأة الحاجة ووقع بعضهم في فخ الراتب الضخم، وانخدع في الكلام المنمق لموظفي هذه المنظمات الغربيين اللطيفين واللطيفات في أروقة الفنادق ،واعتقد هذا الثائر انه اصبح سياسيا محنكا ومطلعا على الوضع بشكل كامل، بل واصبح يعتقد ان رفاق السلاح في الداخل يبدون له متشددين او جاهلين او غير ناضجين او متفهمين للواقع، دون ان ينتبه هذا الثائر ان دماغه قد غسل. كما تقوم هذه المنظمات بتنسيق اجتماعات بين الثوار وشخصيات محسوبة على الاسد لتقريب الاراء ومحاولة حل المشكلة بالتفاهم.
اذا يبدو ان الكثير من منظمات المجتمع المدني هي كيانات مسيسة من قبل كيانات اكبر، مخابراتية في معظم الاحيان، ساهمت في:
1. اغراء الكفاءات لترك الثورة والانضمام للمنظمات في عملية افراغ ممنهج للعقول الثورية
2. استغلال هذه الكفاءات واستخدامهم في بناء شبكة علاقات واسعة مع الثوار لفهم العقلية الثورية وبناء قاعدة بيانات ضخمة من استبيانات واستطلاعات رأي
3. ترويج الحياد البارد كخيار أكثر حداثة وعقلانية، وهو ما جعل خطاب الحل السياسي هو الاكثر رواجا من الحل العسكري
4. تنسيق الاجتماعات بين اطراف محسوبة على الثوار وشخصيات قريبة من الاسد كان اخرها في السويد بدعم من الامم المتحدة وسفراء الدول الغربية
5. الترويج لمصطلحات (الحل السياسي)، (الحوار الوطني)، (مصالحة وطنية)، (محاربة الارهاب)
المصدر: نورس للدراسات