تحقيق محمد ضياء أرمنازي
على الرغم من الفوائد الكبيرة للمبيدات الحشرية، إلا أنَّ مخاطرها تبقى كثيرة على البيئة والإنسان بصورة خاصة، فالتعامل مع تلك المواد الكيميائية يتطلب توخي أقصى درجات الحيطة والحذر.
وقد يكون الجهل بأساليب الاستخدام الأمثل لهذه المواد وطرق الوقاية من أضرارها، يؤدي إلى تعرض الناس والعاملين للأذى بصورة عامة.
تقول غزل طالبة في الصف الرابع الابتدائي: “ذهبت إلى مدرستي كالعادة
في حي السكري، ودخلت إلى صفي، وجلست على المقعد، وبعد قليل بدأ معظم الطلاب بالعطاس وحك أيديهم وأنوفهم، وأصبحوا يشتكون من حرقة في العينين والوجه، وكنت من بينهم، وفي اليوم الثاني غاب عدد كبير من الطلاب عن المدرسة بسبب التحسس والحرقة في الوجه، لكن هناك بعض الأطفال مرضوا وغابوا عن المدرسة مدة أسبوع كامل، وغبت أيضاً”.
ولمعاينة هذا الموضوع عن قرب، قامت صحيفة حبر بزيارة مدرسة طلحة ومدرسة الإخلاص في حي السكري.
يقول مدير مدرسة الإخلاص أبو عمار: “لاحظت وجود آراء مختلفة ومتضاربة عند فريقي بخ المبيدات، وبعد اتفاقهم على من يبخ، سألت مساعد البخاخ عن تأثير هذه المادة على الأطفال فقال: لا تؤثر أبداً، ويكفي أربع ساعات ليذهب تأثيرها.
ويكمل أبو عمار قائلاً: بُخت المدرسة في يوم السبت بعد انصراف الطلاب، وداوم الطلاب يوم الأحد، لكن بعد استنشاقهم للرائحة بدأ معظم الطلاب يشتكون من حرقة في الوجه والعينين، وتقيأت إحدى الآنسات وكانت حاملا، فاضطررت إلى صرف جميع الطلاب من المدرسة، وقد غاب عدد من الطلاب في اليوم التالي”.
وفي مدرسة طلحة أيضاً ظهرت نفس الأعراض على معظم الطلاب، وقد غاب 25 طالب يوم الأحد بعد استنشاقهم لما تبقى من أثر المبيد الحشري يوم السبت، وكانت المدرسة قد بُخت يوم الخميس، وتأثرت ثلاث معلمات أيضاً، تقول الآنسة: إنَّ تأثير هذه المادة عليَّ دام عشرة أيام تقريباً”.
يقول ع. ق الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه: “إنَّ بخ مادة الآيكون يتطلب اتباع الإرشادات بدقة عالية، وأي زيادة في نسبة مادة الآيكون يؤدي إلى كثافة المادة السمية في البخ، ولا يجوز بخ البيوت إلا بعد تغطية الأغراض لكيلا تمتص المادة السامة، ولا فائدة من بخ الطوابق العليا لأنَّ ذبابة الرمل لا تصل إليها، والحملة بالأساس كانت مخصصة لاستهداف الأقبية والطوابق الأرضية فقط، فكان الهدف من بخ الطوابق العليا هو إطالة فترة البخ، من أجل الفائدة المادية”.
ويقول أحمد أبو الجود، وهو أحد العمال في حملة البخ: “كنت أعمل في الحملة مساعد بخاخ
وكان العمل في بداية الحملة جيد، ولكن بعد فترة حصل هناك تغيرات كثيرة وأصبح هناك عدة مخالفات في القواعد الأساسية للبخ، كاستهداف الطوابق العلوية من المباني، وكان هناك مخالفات أخرى كخلط أكثر من ظرفين من مادة الآيكون في 8 ليتر من الماء، وفي بعض الحالات كان يوضع 6 ظروف في 8 ليتر من الماء، وأحياناً كان يضاف بعض الظروف إلى المحلول نفسه، وقد تمَّ بخ البيوت والمدارس من دون تغطية الأغراض، وهناك حالات تحسس ومرض ظهرت على بعض العمال أيضاً”.
وقد حاولت صحيفة حبر التواصل مع مدير المشروع الوقائي في منظمة “mentor” في مدينة حلب عبر الوتس، لكنَّه لم يجب عن أسئلتنا، وقال: مكتبنا في سرمدا، ولم يجب أيضاً المديران عن الحملة في المدينة وتهربا من الإجابة، وطلبا كتابا خطيا من المدير العام في المجلة للإجابة!!
وقد قمنا بزيارة إلى مشفى القدس لطلب تقرير يوضح نوعية الإصابة التي تعرض لها الأطفال في المدارس المذكورة، وقال مدير المشفى المهندس عبد الله: “كانت تصل حلات تحسس إلى المشفى طوال الأسبوع الفائت” لكن قال دكتور الأطفال في المشفى: “لم تأتِ أي حالة ممَّا ذكر” وبعد جلب سبع حالات بينها مدرِّستان مازالتا متأثرتين بمواد البخ، وبعد الاطلاع على أرشيف المشفى، كتب لنا الدكتور عبد الله تقريرا عن وجهت نظره بالحالات التي رآها بعد عشرة أيام من الحادثة.
وقد تواصلنا أيضاً مع مسؤول المكتب الصحي في المجلس المحلي الدكتور طه وقد قال: “إنَّ صحة أطفالنا ليست لعبة، وسيفتح مكتب الصحة في المجلس المحلي تحقيقاً فيما حدث في المناطق المذكورة”.
لم تكن مشكلتنا الأساسية مع منظمة monetr”” ولا مع نوع المبيد الذي يبخ في البيوت والمدارس، بل المشكلة كانت مع الاستهتار في التعامل مع هذه المواد السامة وعدم التقيد بالتعليمات التي جاءت مع هذا المبيد الحشري، وبالتالي كان التأثير السلبي على أطفالنا الصغار، فهل كنَّا سننتظر حتى يموت أحد أطفالنا لنقول هناك أخطاء وقد تكون غير مقصودة؟!