باسل عبود |
تُعدُّ حالة الصداقة بين روسيا وتركيا في السنوات الأخيرة حالة استثنائية في تاريخ العلاقات بين البلدين، فتاريخيًا كانت الحروب والصراعات مستحكمة بينهما منذ أيام السلطنة العثمانية والقياصرة الروس، ولم يصبح الحال أفضل بعد سقوط السلطنة في تركيا وقيام الثورة البلشفية في روسيا وانتهاء حكم القياصرة، فالعالم انقسم بعد الحربين العالميتين إلى معسكرين شرقي (شيوعي) وغربي (رأسمالي) فكانت تركيا قاعدة متقدمة لحلف الناتو العسكري الغربي في مواجهة الخطر الشيوعي لحلف وارسو العسكري الروسي.
لكن البلدين وجدا نفسيهما مضطرين للتعاون في الملف السوري لتفادي الصدام المباشر كما حصل عند بداية التدخل الروسي في سورية وحادثة إسقاط الطائرة الروسية التي كادت تقرع طبول الحرب بين البلدين، لتنجح الدبلوماسية فيما بعد بتعزيز العلاقات مع حاجة كل طرف للآخر اقتصاديًا في ظل تراجع مستمر في اقتصاد البلدين.
لكن انحسار المواجهات العسكرية في سورية في شمال البلاد على طول خط الحدود مع تركيا قد يدفع العلاقات بين البلدين مجددًا نحو الهاوية.
فإذا شبهنا خلاف البلدين في الملف السوري بجبل الجليد فإن قمة الجبل هي إدلب، أما الجذور والقاعدة الرئيسة فهي في شرق الفرات، وإذا كان الخلاف متعلقًا بإدلب فهو متمثل بفتح الطرق الدولية وحل بعض التنظيمات التي تصنفها موسكو إرهابية مع رغبة موسكو بإعادة سيطرة الأسد على كامل التراب السوري وخوف تركيا من موجة لجوء جديدة.
فأما منطقة شرق الفرات فهي الهاجس الأكبر للأمن القومي التركي أمام خطر الأحزاب الانفصالية العابرة للحدود والمصنفة على لوائح الإرهاب في تركيا، وأما الروس والنظام فهم بأمس الحاجة لمنطقة شرق الفرات، حيث الثروات النفطية والمائية الكفيلة بإعادة الحياة لاقتصاد النظام المتهالك، إلا أن الأحداث المتسارعة في منطقة شرق الفرات تبدو خارج السيطرة للوهلة الأولى، فمع إعلان أنقرة بدء عملية نبع السلام لتأمين حدودها مع سورية من التنظيمات الإرهابية وإقامة المنطقة الآمنة لتأمين عودة اللاجئين إليها في المستقبل، منذ ذلك الوقت تتضارب التصريحات والمواقف، وأخطر ما في ذلك كله إعلان أميركا المفاجئ الانسحاب من المنطقة ما خلط الأوراق من جديد.
القرار كأنه وضع روسيا وتركيا مجددًا على خط المواجهة، فروسيا لن تفوت الفرصة لملأ الفراغ الحاصل من الانسحاب وعيناها على النفط والغاز وأموال إعادة الإعمار، لكن المقابل في سبيل ذلك هو حماية قوات سورية الديمقراطية من تركيا والجيش الوطني ما يعني إفشال العملية التركية، ليتجسد ذلك بتقارب بين قسد والنظام السوري ومن خلفهم موسكو ودخول منبج وتسيير دوريات ما أعاق تقدم الجيش الوطني وتركيا على منبج.
في حين تبدو أنقرة حازمة في موضوع العملية العسكرية رغم الضغوطات الدولية والعوائق المتمثلة في انتشار قوات النظام وروسيا في بعض المناطق.
لا يستبعد أن أميركا أرادت بقرار الانسحاب تفجير الصراع من جديد واستنزاف كل أطراف الصراع بضربهم ببعض من بعيد، ففي حال حدوث أي مواجهة بين الروس والأتراك سيؤدي ذلك إلى نسف كل التفاهمات الموقعة وإعادة الوضع إلى ما قبل التدخل الروسي وفتح كافة الجبهات من جديد، فأنقرة بعد الانتهاء من تطبيق المنطقة الآمنة، ستكون أمام مواجهة مع روسيا.
وتبقى القمة المرتقبة في الثاني والعشرين من الشهر الحالي محط أنظار للخروج باتفاق يُبدد مخاوف كل طرف من الآخر وينزع فتيل التوتر بعدما أصبحت المنطقة على صفيح ساخن.