لم يعد سراً ذلك الصراع الخفي بين الروس والإيرانيين على الثروات السورية فعرى هذا التحالف وخيوطه باتتِ اليوم أضعف من أسباب وجودها بالأمس فمؤشرات انهياره باتت تفضح رغبة الحلفين بجعله مكتوماً ومحدوداً وذلك على محورين:
الصراع الجيوسياسي:
تسارعت الخطا الإيرانية نحو سورية من الأيام الأولى للثورة السورية لإكمال هلالها الطائفي، وتوسعت رقعة أطماعها من منطلق تاريخي ومذهبي حاقد أخفته بشعارات المقاومة ودعم المظلومين لكن هذه الشعارات لم تمنع موسكو من التدخل في سورية وبثقل أكبر انطلاقاً من كونها إرثاً سوفيتياً.
الرسالة الروسية لإيران كانت واضحة بتحييد الملف السوري من أوراق الضغط والمساومة التي كانت تمسك بها إيران في مفاوضات ملفها النووي، بالإضافة إلى أن الوجود الروسي هو عقبة أمام الإيرانيين في الوصول للحدود الإسرائيلية لتطويع هذا الوصول في خدمة الأجندة الايرانية في المنطقة والعالم باعتبار الروس صمام الأمان لهذا التمدد وإن تعمدت موسكو استخدامه لتهديد الولايات المتحدة واستفزاز الإسرائيليين.
وأما المشهد في الداخل السوري فهو أكثر احتداماً إذا أردنا استخدام مصطلح الحفاظ على الدولة السورية من قبل الطرفين – مجازاً – فالتركيبة الطائفية لهيكلية الدولة السورية هو الشكل المناسب لطهران الذي تعززه بإنشاء ميليشيات طائفية على النمط العراقي حيث يقوم النظام على أشخاص يكون ولاؤهم أعمى للقرار الإيراني بغض النظر عن باقي التفاصيل في بناء النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
في حين يقف الروس على الطرف النقيض من ذلك فموسكو ترغب باستمرار مؤسسات الدولة وإصلاح بنيتها بنظام يخدم مصالحها أولاً، ويحمي نفوذها مستقبلاً، لذلك دائماً ما كان الروس يلوحون في البداية أن الأسد ليس المشكلة الحقيقية في سورية إلى أن رضخ الروس للمطالب الإيرانية الشديدة بضرورة عدم التطرق لمسألة بقاء أو إقصاء الأسد في أي مباحثات دولية.
وقد ظهر هذا التنافس جلياً في الحماية الروسية للمجرم سهيل الحسن في آخر ظهور له بعد أن اتسع مسلسل التصفيات الإيرانية لضباط النظام الذين حققوا شعبية في الحاضنة المؤيدة له في محاولة ايرانية لقطع الطريق على أي محاولة روسية بإقصاء الأسد مستقبلاً.
الصراع الاقتصادي:
على الرغم من صعوباتها الاقتصادية فإن النظام الايراني كان سخياً مع نظام الأسد، و كمّ أفواه الملايين من أبناء الشعب الإيراني ليصب ثرواته في خدمة آلة الإجرام بيد نظام الأسد على أمل تعويض هذه التكلفة بعد سنوات الحرب من حقول النفط السورية غير أن الروس كانوا أسرع بذلك و سحبوا البساط الذي كانت ايران تغزله بمعاهدات و اتفاقيات طويلة الأجل، وقطع الأمريكيون الطريق على حقول الجزيرة على الحلفين مما حرمهما من مصادر الثروة الرئيسية في سورية، و جعلهما الآن عرضةً لصراع على بقعة لا تتركز فيها سوى 35% من النفط السوري.
نستطيع أن نقول إن حلفاء الأمس بات يطلق عليهم الآن الحلفاء الأعداء وستكشف الأيام القادمة ذلك الشرخ العميق بينهما فامتحان الدولار بدأ للتو.