عبد القادر العبدو |
مع استمرار تدفق النازحين نحو منطقة الشمال السوري بسبب تصعيد القصف والتهجير وسياسة التغيير الديموغرافي من قبل قوات النظام وحلفائها، تزايدت أعداد النازحين بشكل كبير جدًا، وازداد معها عدد المخيمات ولا سيما العشوائية منها.
ولأن عجلة الحياة مستمرة، ولابد من معايشة تفاصيلها المُرة قبل الحلوة، ومع الهدوء النسبي الذي تشهده منطقة الشمال السوري، قام عددٌ من النازحين بمشاريع أو خطوات تؤمن لهم ولو القليل من الدخل المادي؛ للقدرة على العيش بشكل طبيعي
ضاربين بذلك أروع الأمثلة في التحدي والاستمرار لكسب الحلال بعرق الجبين.
(علي القدور) تاجر مواد بناء يتحدث لصحيفة (حبر) عن طبيعة العمل في المخيمات قائلاً: “أغلب النازحين يعملون في مجال (مكابس البلوك) أو تكسير الصخور، كونها تلقى رواجًا واسعًا نتيجة الحاجة المتزايدة لمنتجاتها، ولأنها لا تحتاج خبرةً كبيرةً للتعامل معها، وتتطلب عدد عمال أكثر من غيرها.”
مضيفًا أن بعض النازحين أسس مشروعه الخاص في تلك المهنة ضمن أراضٍ يتم استئجارها مسبقًا، ويعمل فيها مع أسرته وأقاربه، كبديل عن مهنته السابقة، والاعتماد عليها كمشروع ثابت لتأمين المعيشة في ظل النزوح على الأقل.
الحاج (حمدو كنعان) لم تنل سنون عمره المتقدم من عزيمته وإصراره على زراعة الأرض والتشبث بها، والتي ورث حبها عن آبائه وأجداده قبل نزوحه من قرية (معرتحرمة) في ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم (الدير الغربي) في مدينة (الدانا) بريف إدلب الشمالي، 65 عامًا تركت آثارها تجاعيد غائرة على وجهه، وتقوسًا واضحًا في ظهره، يحدثنا بنبرة العزة ومحاولة إخفاء التعب: “أحب الأرض، وإذا بيوم ما بشم ريحتها مابرتاح.. الوضع في المخيمات صعب ومعلوم للجميع، وبرقبتي15 شخصًا من أولادي وأحفادي، استأجرت قطعة أرض بجانب المخيم، واعتنيت بها وزرعتها بشتى أنواع المحاصيل، للاكتفاء الذاتي فقط، حتى لا نكون عبئًا على أي جهة، أو ننتظر إحسانًا من أحد، صحيح أن الإنتاج لا يكفي لبيعه وادخار النقود منه، لكنه يكفيني وعائلتي للاستهلاك اليومي، وهذا أمرٌ ممتاز بالنسبة إلينا والحمد لله.”
من جهته قال الشاب (حسين جدعان): “نزحت من جبل الزاوية إلى مخيمات (بابسقا) ولم أستطع الحصول على عمل رغم بحثي عنه مطولاً، ثم فكرت بعدها باستغلال خبرتي في إصلاح الدراجات النارية، وقمت بوضع (شادر) فوق صخرتين كبيرتين بالقرب من مغارة صغيرة، ووضعت فيها عدة التصليح وبدأت فيها حياتي العملية، لأتمكن من كسب ما يُعيلني وأهلي، خاصةً وأن إيجار المحلات مرتفع ولا قدرة لي على دفع النقود.”
لا يختلف الحال كثيرًا عند (سميرة أم أحمد)، التي فقدت زوجها ومعيلها بإحدى الغارات الجوية وتسببت لها بإعاقة دائمة، تحدثنا بحرقة الألم والحرمان: “لجأت إلى تعلم الخياطة في دورة بإحدى المنظمات، واشتريت ماكينة الخياطة وبدأت العمل عليها في إصلاح الثياب ثم تفصيلها لنساء المخيمات المجاورة، لأعيل أولادي الثلاثة.”
أمثلة عديدة لاتزال تطالعنا يوميًا تحكي قصص النجاح والإصرار وخلق الأمل من حلقات الألم.
الجدير بالذكر أن عدد المخيمات العشوائية، يتزايد بشكل كبير مع استمرار تدفق النازحين بفعل القصف والتهجير، حيث ببغ عدد تلك المخيمات، وبحسب فريق منسقي الاستجابة، 382 مخيمًا، يسكنه 185557 شخصًا يعانون كما باقي النازحين في باقي المخيمات من صعوبات كثيرة بتفاصيل أكثر، يتخبط فيها الألم والأمل، والحلم الدائم بالمستقبل الأفضل الذي لا يزال مجهولاً، يتعلق بتفاهمات دولية وعسكرية ومصالح مشتركة أو متقاطعة بين الأطراف المتنازعة على الأراضي السورية.