د. وائل الشيخ أمين |
يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فيلهج بالدعاء ويلحّ فيه، حتى يشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه!
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى أن ينهزم المسلمون يوم بدر وهو رسول الله ومعه حمزة وعمر وعليّ والزبير وغيرهم من الأبطال، وتعداد المشركين ثلاثة أضعافهم فقط؟!
أمَا كان واثقاً تمام الثقة أن الله سينصره في تلك المعركة ولو كان ذلك بتنزّل الملائكة لتقاتل معه؟!
وفي يوم أُحد يستشير النبي، ويُخطط، ويرى عدم الخروج، ثم يخرج فيوزع الجُند، ثم يُوصي الرماة كثيراً ألا يتزحزحوا من أماكنهم! أمَا كان واثقاً أن الله سينصره كما نصره ببدر ولو بمعجزة؟!
ثم يأتي يوم الخندق، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حتى لا يتجابه مع الأحزاب الذين يبلغ تعدادهم ثلاثة أضعاف تعداد جيش المسلمين، وهي نسبة نراها اليوم عادية جدًا بسبب نفخ الدعاة وكتاب التاريخ فينا وسردهم لبطولات تخيلية في تاريخنا وانتقائهم لمعارك قليلة، أضف إلى ذلك فهمهم المغلوط للكثير من الآيات.
لكن يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه كانوا يرون ذلك الفارق كبيراً جدًا حتى بحثوا عن خطط لعدم المواجهة، وراح النبي يحاول عقد صفقات مع غطفان ليفرق شمل الأحزاب ويُوثق العهد مع بني قريظة لكيلا يغدروا، ومع كل هذا بلغ الخوف في قلوب الصحابة في تلك الأيام مبلغاً عظيماً جدًا!
يبدو أنهم لم يضعوا في حسبانهم أن الله سينصرهم على أي حال ولو بمعجزة.
ويتكرر هذا المشهد كثيراً في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ويسري ذلك في وجدان صحابته، ففي يوم مؤتة لم يكن النبي معهم، ومع ذلك عندما رأى خالد أن موازين المعركة ليست من صالحه دبر خطة وانسحب، ولم يستمر في القتال أملاً في تنزّل معجزة!
هكذا كان أنبياء الله يحيون حياتهم ويدبرون أمورهم دون أن يضعوا وقوع المعجزات في حساباتهم، بل كانوا يأخذون بالأسباب تماماً وكانوا يتفاجؤون عند تنزل المعجزات!
من هنا نفهم لماذا تفاجأ زكريا عندما بُشر بغلام كان يدعو الله أن يرزقه إيّاه، ولماذا تفاجأت مريم عندما بُشرت بغلام نبي وهي التي كانت تتنزّل عليها المعجزات صباح مساء، ولماذا خاف موسى عندما ذهب إلى فرعون وهو الذي جرى على يديه الكثير من المعجزات بل كلمه الله تكليمًا.
أما نحن!
فقوم ننام ونستيقظ ونحن ننتظر المعجزة! لا نأخذ من أسباب النصر شيئًا، أو يمكنك أن تقول: نأخذ بأسباب الهزيمة، ثم نقول: اللهم نصرك الذي وعدت! ووالله هذا من التعدي.
ندخل في معارك انتحارية بأسوأ تخطيط، أو بلا تخطيط وننتظر تحقق المعجزة.
بل لطالما يتوهم بعضنا تنزّل معجزات ويحكيها لغيره فتطير بها الركبان.
وما دمنا ننتظر المعجزة، فلن نتجاوز مرحلة العجز!