بقلم: محمد عادل فارسبسم الله الرحمن الرحيممنذ نحو ربع قرن احتلت قضية التكفير حيّزاً واضحاً في الفكر السياسي، ثمَّ ارتفعت وتيرتُها في السنوات الأخيرة، لأسباب لا تخفى. ولا ننسى أنَّ لهذه القضية جذور قديمة في القرون الإسلامية الأولى.وبعيداً عن التهييج الإعلامي وركوب الموجات، ينبغي أن نقرر أنَّ تقسيم الناس إلى مؤمنين وكافرين قضية إسلامية قرآنية، وأنَّ الحكم بالردّة على إنسان، يحتاج إلى تعمّق وتريّث، لا سيَّما إذا كان سيترتّب على ذلك إهدار دمه. وأنّ التكفير من غير بيّنة إثمٌ كبير.لقد كان التكفير قديماً يصدر عن الخوارج ومن يماثلهم، وكان يدور حول مسألة مرتكب الكبيرة، وحول فهم بعض النصوص الشرعية، وكان يتصدى لهم الحاكم المسلم ومعه العلماء الثقات… لكن معظم من يحارب التكفير اليوم دول كافرة، وأحزاب علمانية، وأناس لا تكاد تربطهم بالدين غير شهادات الميلاد. وبطبيعة الحال: يستنكر التساهل في التكفير كذلك علماء ودعاةٌ لا نشكُّ في دينهم وصلاحهم وغيرتهم.لكن هناك وجهاً آخر لا يكاد ينال الاهتمام الكافي، وهو صدور تصرفات قولية أو فعلية تُخرِج من الملّة، ثمَّ يُتّهم من يتصدى لها بأنَّه تكفيري. بمعنى أنَّ التصرف المكفّر جائز، فهو حرية رأي، والحكم عليه بالكفر هو الممنوع!ونذكر فيما يأتي نماذج سريعة، نضعها بين أيدي أهل العلم والفتوى:1-من يقول: من الجيد أن يحرّم الإسلام السرقة، ولكن من الوحشية أن تكون العقوبة قطع يد السارق، مهما وضعتم من قيود وشروط لإقامة هذا الحد. لقد آن أن تستبدل بهذه العقوبة عقوبة حضارية كالسجن والغرامة…2-ومن يقول: لقد كان تحريم الزنا مفهوماً لما فيه من تسبّب في اختلاط الأنساب. أمَّا وقد وجدت طرق متطورة لمنع الحمل، ولفحص الـ DNA ومعرفة الأب الحقيقي فلا ينبغي أن يبقى الزنا ممنوعاً. نعم نمنعه إذا اقترن بالاغتصاب، لأنَّ “الحرية أولاً” فإذا انتفى الاغتصاب، وأمكن التحكم بالحمل… فمن التخلّف تحريم العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج.3-ومن يقول: بدأ محمد صلى الله عليه وسلم دعوته وفيها المساواة بين الرجل والمرأة، ثمَّ إنَّه تحت ضغط القيم الذكورية التي كانت سائدة، بدأ يشرع التشريعات التي تجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وتجعل شهادة المرأتين كشهادة الرجل.وأمثال ذلك كثير. فهل مثل هذه الأقوال تصدر عن مسلم، أم أنَّها تخرجه من الملّة؟!