إنَّ أول سببٍ أدى إلى إشعال الثورات في العالم العربي وحوّل خريف البلاد العربية ربيعاً هو سياسة الجهات الحكومية الأمنية والمخابراتية في إدارة البلاد، وذلك باعتمادها على مفهوم السلطة المطلقة، إضافةً إلى سياستها التعسفية في تسيير أمور الدولة الاجتماعية والاقتصادية والتي كان الفساد والمحسوبيات العناوين العريضة في المؤسسات المسؤولة عنها.
ورأتِ الشعوب في الفكر الثوري ملاذ الخلاص من جور الحكومات الاستبدادية، فكان التحدي الوحيد الذي واجه الثورات بعد نجاحها في السيطرة هو قدرتها على قيادة مرحلة ما بعد النظام الساقط لذلك فإنَّ الثورة التي نجحت في قيادة هذه المرحلة ستلاقي جمهوراً أكبر وتقبّلاً أكثر حتى من أنصار النظام الحاكم، ويمكننا القول إنّ الثورات العربية لازالت في مرحلة تكوين النظام الجديد وهي مرحلة واجهت في مسيرتها الكثير من العقبات وخير دليل على ذلك ثورة مصر التي تخلصت من الاستبداد فكسبت الجهل ومزيداً من الفقر والجوع والفساد كل ذلك لأنّ الشعب لم يستطع أن يستلم زمام الأمور.
إنَّ المرحلة القادمة من الثورة السورية هي مرحلة قيادة ومحاولة فرض القرارات في الميادين الدولية والهدف الأكبر سيكون القضاء على النظام وحماية الأرض والناس الذين يخشون سوء المصير المنتظر في ظل التقلبات المتسارعة التي تجري في المناطق المحررة وعلى رأسها الصراع بين القوى المسيطرة داخل المناطق المحررة والتفجيرات اليومية في مدينة إدلب وريفها والتي تحصد العشرات وتسبب العديد من الأضرار المادية بالإضافة لتوقف الدعم المادي عن الائتلاف السوري، وعددٍ من المؤسسات المدنية العاملة في إدلب.
وإنّ إرهاصاتِ التدخل العسكري الذي يلوح بمصيرٍ مشابه لمصيري الفلوجة وحلب مما خلق حالة توتر عام داخل المناطق المحررة ليس بسبب الخوف من التدخل لكن نتيجة محاولة معظم القوى الخارجية والداخلية من مسؤولين وعسكريين جعل هيئة تحرير الشام سبباً رئيسياً للتدخل بهدف خلق تضارب بين الآراء يؤدي لصراع طويل الأمد ويحرف بوصلة الثورة من جبهة النظام إلى جبهات أخرى مع غض الطرف عما حدث في حلب والغوطة والوعر وغيرها من المناطق التي ذاقت الجوع والتهجير.
مهما كان الفصيل أو الجهة التي ستقود المرحلة القادمة من الصراع لابد لها من أن تتجاوز جميع الأخطاء التي مرت بها سياسة الثورة في السنوات السابقة والتي تستند إلى استنساخ العمل المؤسساتي والعسكري في نظام الأسد بداية من الفساد الذي دبّ في مؤسسات الثورة مروراً بالأنظمة الاجتماعية والقضائية والسياسية التي نسخت مؤسسات النظام وأعادت أخطاءه وصولاً إلى استبداد السلطة العسكرية للفصائل وحتى المؤسسات الإعلامية التي تعمل في الداخل أصبحت تركز على إظهار المؤسسات الثورية بأحسن صورة مع إخفاء السلبيات دون محاولة كشف الأخطاء بغية الحل مما يحاكي عمل مؤسسات الإعلام السوري والتي كان من مهامها تلميع جبين النظام السوري وتغطية جرائمه، لذلك فإنّ من ثار على نظام الأسد لن يتقبل أيّ أنظمة مماثلة والشعب الذي فقد الملايين في مجابهة القاتل مستعد ليخسر المزيد في مواجهة أي خائن يحاول وأد ثورته.