يقارب المسار العسكري للثورة نقطة النهاية لغير صالح من خرجوا على النظام السابق، لكنه ينتهي لصالح من؟ لصالح النظام الذي خرجنا عليه؟ عن أي نظام نتحدث؟ النظام الذي خرجنا عليه انتهى أيضاً، النظام المنيع المتماسك الذي يملك قراره والذي لا يتجرأ أحد من السوريين على التفكير بمعارضته انتهى، انتهى لأنه دفع ثمن النصر العسكري الذي توهمه من الكتلة البشرية التي كان يعتمد عليها طوال خمسة عقود في قمع الشعب، فلم يعد قادراً على السيطرة على قرية صغيرة إلا بميليشيات أجنبية لا يملك معظم قرارها وبتغطية من طائرات روسية لن تبقى في الجو كُرمة لعينيه طوال الوقت.
النظام المنيع المتماسك الذي خرجنا عليه انتهى وحل مكانه مخلوق هش مشوه لا يلبي طموحات معظم السوريين، حتى الخاضعين له في مناطقه خوفاً لا رضًا، ولا ينسجم مع عالم لا يمكنه التعايش مع بؤرة على هذا القدر من التوحش واللاعقلانية باقية من عصور الظلام وخارجة عن سياق التاريخ البشري.
النظام المنيع المتماسك الذي خرجنا عليه تحول إلى مخلوق هش يعيش على الدعم الخارجي وعلى التقاء مصالح مؤقت ولا يبقيه على قيد الحياة إلا أن خصمه، أي نحن، أكثر منه هشاشة، لكن هشاشتنا ناجمة عن استنكاف المخلصين منا أو عن ضعف إمكانياتهم وهو أمر ممكن تداركه بعمل منظم وفي وقت قصير، أما هشاشة المخلوق المشوه الذي تشكل من بقايا النظام فبنيوية ناجمة عن كونه لا يملك مشروعاً غير استدامة أنهار الدماء التي يطفو عليها وجبال الجماجم التي يقف فوقها.
هذا المخلوق المشوه الهش سيهوي سريعاً عندما يواجه بجهد منظم يبذله عشرة آلاف فقط، عشرة آلاف من شباب سورية وشاباتها في الداخل والخارج منظمين في حزب سياسي يحمل رؤية تلبي حاجة الداخل والخارج تجمع بين فهم العالم والعصر الذي نعيش فيه والتعبير عن ثقافة أكثر السوريين ودينهم وقيمهم، حزب سياسي يتجاوز أمراض الأحزاب والجماعات السورية التقليدية ببنية توفق بين المركزية في تحديد المسار العام واللامركزية في التطبيق واستثمار الفرص، حزب يخرج من حالة (الأبوية) ويعتمد الانتخاب الدوري ومشاركة الجميع في نقاش القرارات فيُخرج أفضل ما لدى أفراده من مواهب وإمكانيات ويدفع بأفضلهم وباستمرار إلى مراكز القيادة والتأثير، حزب يعتمد على نواة من المتفرغين والمتخصصين فلا يُقاد بالهواة ولا بفضول الأوقات، حزب تلتف حوله الحاضنة الشعبية عندما يكسب تعاطفها واحترامها بإخلاص أفراده وكفاءتهم وتعتبره الفصائل العسكرية المعبِّر السياسي عنها عندما يخرجها من العدمية السياسية التي علقت فيها الثورة ويجعل تضحياتها قابلة للاستثمار السياسي.
المرحلة القادم تحتاج إلى رجال دولة، وهذه المحنة جوهرت في أتونها كثيراً من الرجال والنساء هم في صلابة الماس ونقاوته، وأنا أجزم أن هؤلاء الآلاف العشرة موجودون، لكن يلزمهم الجرأة ليتقدموا وينظموا صفوفهم ويرفعوا الراية.