توقعت صحيفة “هآرتس” دخول الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهات عسكرية مع الروس حال فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر المقبل.
وقالت “كلينتون” في المناظرة التلفزيونية الثانية أمام المرشج الجمهوري “دونالد ترامب” الأسبوع الماضي: ”أدعو اليوم لفرض منطقة حظر جوي في سوريا”، وأضافت “علينا أن نمارس ضغطًا على الروس. لن يأتوا لمائدة المفاوضات لبلورة حل دبلوماسي بلا ضغط”.
بكلمات أخرى، دعت مرشحة الرئاسة الأمريكية الأوفر حظًا لعملية عسكرية بقيادة الولايات المتحدة تمنع الطائرات الروسية والسورية المقاتلة من قصف المدنيين في سوريا، حتى إن تطلب ذلك مواجهة مع الجيش الروسي.
يقول “أنشيل بيبر” الصحفي بـ”هآرتس” إن كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، تدرك جيدا المخاطر. ربما قالت ذلك لتميز نفسها عن غريمها ترامب الذي قال إنه يؤيد بقاء نظام الأسد في سوريا ويناصر موقف الكرملين، بأن قصف المدنيين في سوريا يهدف لـ”القضاء على داعش”.
ويضيف:”ربما تعتقد كلينتون أيضا أن موقف متصلب تجاه الروس سوف يساعدها في الانتخابات الوشيكة. لكنها تعرف الاستطلاعات جيدا، التي تذهب إلى أن الشعب الأمريكي تعب من الحروب بالشرق الأوسط. لذلك فإنّ مواقفها الهجومية تجاه النظام السوري والروس، حقيقية على ما يبدو، ولا تفيد حملتها الانتخابية”.
على افتراض فوز كلينتون الشهر المقبل وأدائها اليمين الدستورية كرئيس في يناير. هل يعني هذا أن الولايات المتحدة ستجد نفسها تقاتل روسيا في سماء سوريا؟ هل بالإمكان فرض منطقة حظر جوي؟ هل يساعد ذلك المواطنين السوريين؟ هل ينسحب الروس؟ هل تؤدي مواجهات محدودة في سوريا إلى تصعيد في جبهات أخرى بين القوتين النوويتين؟. تساءل الإسرائيلي “أنشيل”.
من الصعب توقع كيف ستجري عملية عسكرية معقدة، في واقع فوضوي مستمر منذ قرابة ستة أعوام. لكن وبعكس حروب الولايات المتحدة الأخيرة في الشرق الأوسط، هناك على الأقل هدف محدد تنطوي عليه عملية فرض منطقة حظر جوي. عمليات مماثلة سبق وتمت بنجاح في العراق والبوسنة وليبيا. بيد أن سوريا ساحة أكثر صعوبة خاصة مع وجود نشاط كبير للطيران الروسي هناك. لكن هذا سبب أدعى لفرض منطقة حظر جوي.
متى تخرج عملية كهذه حيز التنفيذ؟ سيتم تتويج كلينتون، حال فوزها في 20 يناير 2017. وسوف تصل البيت الأبيض مع طاقم أمن قومي مخضرم ومحنك، وسياسات مبلورة. نظريًا يمكن أن تخرج للحرب سريعا. نظرا للمعدل الحالي للقصف الروسي، حتى ذلك الوقت لن يبقى كثيرا من حلب الشرقية. سوف يُقتل أو يفر ربع مليون سوري يقيمون في المدينة. لكن تبدي المعارضة قدرة كبيرة على الصمود.
الأوضاع الصعبة في حلب يمكن أن تعجل الخروج للعملية. يعارض باراك أوباما الآن فرض منطقة الحظر الجوي، لكن الأوضاع على الأرض، والتعنت الروسي وسياسة كلينتون يمكن أن يدفعه لتغيير رأيه.
وبغض النظر عن الرئيس الذي سيتخذ القرار، فسوف تسعى الإدارة الأمريكية للحصول على دعم دولي للعملية. فدائما ما حظيت مثل هذه العمليات بتغطية دولية عبر قرار لمجلس الأمن. في سوريا ليست هناك فرصة لصدور هذا القرار، لأن روسيا سوف تستخدم حق الفيتو. كذلك لدى روسيا ادعاءات بأن قواتها تتواجد في سوريا بناء على دعوة من نظام الأسد، الذي ما زال النظام الرسمي المعترف به.
لتبرير عملية فرض حظر جوي دون الحصول على دعم الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ستضطر الإدارة الأمريكية للقول إن نظام الأسد فقد أية شرعية على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبها وعدم تأييد المواطنين السوريين له، وعدم السيطرة على معظم الأراضي السورية، لتبحث الإدارة الأمريكية بعد ذلك عن شركاء دوليين آخرين، غالبا ما سيكون هؤلاء بين 30 دولة في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن حاليا ضد داعش.
الشركاء الطبيعيون هما بريطانيا وفرنسا، ولديهما أيضا مقاتلات متطورة من طراز يوروفايتر ورفال، التي ستشارك في الطلعات لفرض الحظر الجوي في المنطقة التي سيتم تحديدها، وكذلك طائرات استخبارية، وقيادة وسيطرة وطائرات التزود بالوقود جوا، لتعزيز العملية.
لدى البريطانيين أيضا قاعدة قريبة “أكروتيري” في باكستان، وللفرنسيين حاملة الطائرات شارل ديجول، يمكن أن تعمل مقاتلات الـ إف 18 الأمريكية انطلاقا منها.
هناك حليف آخر مهم هي تركيا، التي أرادت في السابق فرض منطقة حظر جوي في سوريا. لدى الأتراك سلاح طيران ضخم يضم أكصر من 200 طائرة إف 16، والأهم قواعد على الحدود مع سوريا- بينها قاعدة إنجرليك، التي تستخدمها الولايات المتحدة في شن غارات ضد داعش.
لكن من غير الواضح ما إن كانت تركيا سوف تدعم حاليا العملية. ففي أعقاب الانقلاب الفاشل هناك، تسود توترات بينها وبين الولايات المتحدة على خلفية طلب أنقرة تسليم رجل الدين فتح الله جولن، الذي تتهمه حكومة أردوغان بالتخطيط للانقلاب. في المقابل تتحسن العلاقات بين تركيا وروسيا- والتقى الرئيسان بوتين وأردوغان مرتين مؤخرا.
الإدارة الأمريكية ستسعى أيضا بحسب “أنشيل بيبر” لانضمام شركاء عرب للحصول على الشرعية، مثل معظم الدول الخليجية. ستكون المساهمة العسكرية لتلك الدول صغيرة، لكن تنطوي رمزية المشاركة العربية على أهمية كبيرة. ستتشكل معظم القوات من الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين.
الاستعدادات للعملية- بحسب “هآرتس”- سوف تستغرق أسابيع معدودة. وتتضمن القوات حاملات طائرات بشرق البحر المتوسط، ويتم نشر أسراب الطائرات داخل قواعد بدول المنطقة.
حذر الجنرال “مارتين ديمبسي” الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية في 2013 من أن عملية كهذه تتطلب نحو 70 ألف مقاتل. ربما بالغ لتعزيز موقف الإدارة الأمريكية ضد العملية، لكن حتى إن كان دقيقا فإن جزءا كبيرا من القوات المطلوبة متواجدة حاليا في المنطقة، في إطار الحرب على داعش. إذن منذ لحظة إصدار القرار الرئاسي بإطلاق العملية لن يتطلب الأمر أكثر من بضعة أسابيع لخروجها حيز التنفيذ.
في اللحظة التي تصل فيها القوات، سوف يتم الإعلان عن حدود منطقة الحظر الجوي، التي ستشمل على ما يبدو محافظات حلب وإدلب بشمال غرب سوريا، وستُمنع طائرات النظام والمقاتلات الروسية من التحليق داخلها. هل بإمكان روسيا الاعتراض؟.
ليس لدى الطيران السوري القدرة على مواجهة الولايات المتحدة، أو أي سلاح طيران غربي آخر. فلم تبق لديه سوى حفنة من طائرات ميج متهالكة، تحديدا من طراز 21 و23 و29. لكن القوات الروسية لديها الكثير من الإمكانيات رغم قلة طائراتها في سوريا.
يدور الحديث عن 40 مقاتلة ونحو 20 مروحية متمركزة في قاعدة حميميم في اللاذقية. غالبية الطائرات مخصصة للهجوم وسيكون من الصعب عليها للغاية خوض معارك جوية- جوية. وفقا لصور التقطتها أقمار صناعية لدى الروس هناك نحو 10 مقاتلات -جوية، من طراز سوخوي 30 و35. تلك هي المقاتلات الأكثر تقدما في سلاح الطيران الروسي، وهي متكافئة مع طائرات إف-15، ويوروفايتر ورفال الغربية، لكنها أقل من حيث العدد، ودون تغطية طائرات حرب إلكترونية، وطائرات رقابة وتزويد جوي بالوقود، كتلك التي تملكها القوات الغربية. هذه المقاتلات الروسية يمكنها أن تصمد في المواجهات الجوية لساعات معدودة فقط.
مشكلة أخرى بالنسبة للطائرات الروسية أنها تنطلق من قاعدة واحدة فقط بمسار إقلاع واحد، يمكن أن يصبح خارج الخدمة بتنفيذ هجوم جوي عليه.
يتوقع أن تحاول روسيا تعزيز قواتها في سوريا، لكن مواردها محدودة. عملية التحديث العسكري التي يقودها الكرملين لم تكتمل بعد، ولدى سلاح الطيران الروسي أقل من 200 طائرة اعتراض متطورة، تحتاج معظمها في حماية سماء روسيا. كذلك فإن قدرة الجيش الروسي في الحفاظ على عملية انتشار كبيرة للقوات لوقت طويل محدودة هي الأخرى. المسار الجوي للمقاتلات الروسية إلى سوريا معقد ويمر عبر إيران والعراق، وبإمكان الأمريكان إغلاقه بسهولة.
الروس، وفي سبيل تعزيز قوتهم الجوية، نشروا في منطقة اللاذقية بطاريتين للدفاع الجوي من طراز إس-300 وإس-400. يدور الحديث عن أنظمة متطورة قادرة على تتبع عشرات الأهداف في وقت واحد، ويبلغ مدى صواريخها الاعتراضية 400 كم. لكن من الصعب نشر وإخفاء الرادارات وأنظمة القيادة والسيطرة.
لدى الولايات المتحدة أنظمة متنوعة من الأسلحة تتضمن مقاتلات وقاذفات قنابل شبحية من طراز إف-22 وبي-2، وطائرات حرب إلكترونية حديثة من طراز جراولر، ومئات الطائرات بدون طيار وطواقم قوات خاصة، كلها مدربة على تحديد وتدمير بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات.
وفقا لكل المقاييس، من المتوقع أن تستغرق المواجهات بين التحالف الأمريكي والقوات الروسية في سوريا وقتا قصيرا للغاية. وفي أقصى الاحتمالات سيخسر الأمريكان خلالها القليل من الطائرات. وهو ما يدركه قادة الجيش الروسي. السؤال هو : هل تدفع هزيمة جوية في سوريا الروس للتصعيد في جبهات أخرى، قريبة من حدودها ربما هي متفوقة هناك عسكريا؟.
يبقى قرار عدم الرد أو التصعيد بيد الكرملين. يفترض أن تشكل العملية الأمريكية ضغطا على الروس تدفعهم للجلوس على مائدة المفاوضات والتوصل لاتفاق هدنة يلتزم بموجبه الروس وقوات بشار الأسد بوقف الغارات تماما.
يتوقع أن يرد الروس في ساحات أخرى كأوكرانيا أو حتى ضد إحدى الدول البارزة في حلف الناتو، أو تكثف الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة. لكن احتمال شن روسيا التي يعاني اقتصادها من مشاكل جمة وجيشها مازال غير مستعد على خوض حرب شاملة مثل هذه الحرب، ضعيف، لكنه قائم.
التقرير الإسرائيلي ختم بالقول:”عملية منطقة حظر طيران، إذا كانت كلينتون عازمة على تنفيذها، يمكن أن تنقذ آلاف المواطنين السوريين وتخلق واقعا جديدا، يُوجد أفاقا للتفاوض على إنهاء أكثر الحروب دموية حتى الآن في القرن الـ 21”.