جاد الغيث |
لستُ مرضًا معديًا ينتقل بين الشعوب العربية من دولة إلى أخرى، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سورية، بل أنا العافية، وتمام العافية، أنا كلمة الحق في وجه الباطل، والعدل في وجه الظلم، أنا الحرية، أنا الكرامة.
عبر العصور ملايين المرات هتف الناس باسمي، تجمعوا، هتفوا، رقصوا، غنوا، اعتقلوا، وكثير منهم استقبلوا الرصاص الحي بصدور منشرحة عارية.
كنت وسأبقى الوسيلة الوحيدة لإعادة معنى الحياة للشعوب المقهورة، كل الأحرار والشرفاء في العالم يحبونني، يرفعون شعاراتي وصور أبطالي في كل مكان، لكن أعدائي هم كثر جدًا، أعدائي هم القساة الطغاة الظالمين أصحاب المصالح والمنتفعين من وجود الفساد والظلم وقهر الشعوب ونهبها، أعدائي هم العبيد الذين يحملون مظلاتهم كلما أمطرت السماء حرية.
في تونس أحرق (بوعزيزي) نفسه فاشتعلتُ أنا، في مصر احتشد الناس في الساحات يهتفون باسمي ويطلبون إسقاط النظام، وفي أقل من شهر تنحى
(الرئيس مبارك) ربما شعر بأن كلمة الشعب لا تقهر فغادر بشيء من كرامة، بينما أبى (معمر القذافي) إلا أن يموت أسوأ ميتة على يد الثوار، وهو الذي ظن نفسه فرعونًا لا يقهر وصارت عبارته المشهورة (من أنتم) على كل لسان مثارًا للسخرية منه ومن جبروته.
في سورية كنت الحلم والنور، كنت الفرحة وصوت الحق، كان أبنائي مجموعة أطفال بعمر الورد، كتبوا الحرية على الجدران، فأشعلوا النار في كل مكان، نار مستعرة لم تنطفئ منذ ثماني سنوات، نار تحرق الظالمين وترفع الصالحين إلى السماء، واليوم عندي ملايين الأبناء من المهجرين والمعتقلين والمفقودين، من النازحين والمعاقين والأبرياء، كلهم أبنائي كلهم أحبابي، شُردوا وهُجروا، كُمت أفواههم، دُمرت بيوتهم، سُلبت ممتلكاتهم، لكنهم ما زلوا يرفعون رؤوسهم عاليًا،
يُثبتون للدنيا أن الشعب إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، اليوم يضخون في عروقي اليابسة دمًا حيًا ساخنًا ثائرًا نقيًا، ومن المكان نفسه الذي ولدت فيه يُحرقون صور الطاغية ويهتفون للكرامة، بحت حناجرهم ولن تموت كلمة الحق على ألسنتهم، اليوم يقولون لكل العالم إنني أنا الثورة فكرة لا تموت، وصوت عالٍ لا يقهر، وبصمة لا تمحى في جبين الزمان.