عبد الرحمن عفورة |
أثبتت الدراسات بأغلب الجامعات العالمية أن حصة المتفوقين للملتزمين دينيًا هي أقل من 5%.
نرى اليوم أن الملتزمين دومًا مهتمون بالدروس الدينية والجلسات القرآنية فقط مقابل إهمال دراستهم الجامعية، إذ إنهم لا يرون في العلم والتعليم إلا العلوم الشرعية فقط، مع أن الإسلام لم يأمر بهذا، بل فضل العلم على العبادة، فتراهم يتخرجون بمعدلات ضعيفة، ولا ننسى أن العلوم الشرعية هي أشرف العلوم، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقه بالدين”
ولكن إذا دخل الملتزم اختصاصًا غير شرعي لماذا يهمله على حساب غيره؟
يجب على مشايخنا الكرام الحث على طلب العلوم غير الشرعية، وهنا نتذكر كيف أصبح الخوارزمي عالمًا مشهورًا حيث “كان محمد ابن موسى الملقب الخوارزمي عائدًا من أرض أبيه التي يعمل بها، فالتقى بطريقه إمام المسجد فسأله الإمام عن حاله فقال له الفتى محمد: يا شيخي دائمًا أفكر بالرياضيات وبرسومها، وأخبره كم هو مهووس بالرياضيات، فقال شيخه: إن لك مستقبلاً في هذه العلوم إن شاء الله اذهب وضع فرسك في حظيرته وتعال لتحضر معنا صلاة الجماعة وإني سأكلم أبيك كي يرسلك لبغداد لتغوص في بحور العلم”.
لم يرد في النص السابق أفكار لشيخ الخوارزمي تنهاه عن هذه العلوم، بل شجعه ولم يأمره بتجنبها ودعاه إلى صلاة الجماعة كأنه يأمره بالجمع بين العبادة والعلم، وقال له أيضًا: “أرى فيك نبوءة العلماء” وكان شيخه سببا في سفره لبغداد، إذًا لا يوجد ما يمنع التفوق بباقي العلوم إن كان المرء ملتزمًا بتعاليم دينيه.
ومن آثار ابتعاد الملتزمين عن العلم الدنيوي شعور بعض العلماء أن الالتزام والفكر الإسلامي يبعد الإنسان عن الدراسة والتفوق، وقد علَّقت بعض الصحف الغربية التي تطعن بالإسلام قائلة: “الإسلام والالتزام يمنعان العلوم غير الشرعية.” وهذه الأخيرة مغالطة كبيرة، حيث إن الإسلام دومًا يحث على التعلم، وأول كلمة نزلت في القرآن {اقرأ}.
وقيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعنى حديثه: “لموت ألف عابد أهون على الله من موت عالم” ومن هنا نعلم أهمية العلم في الإسلام.
ولا نقول ترك العبادة على حساب العلم والعكس، بل نفعل كما فعل شيخ الخوارزمي.
وللمجتمعات دور بمنع الملتزمين من التعلم، فإذا تشجع ملتزم على علوم الحاسوب مثلًا يهاجمه الناس، ويخجل إذ يسمع منهم “خليك بقرآنك شيخي”. فبدل أن يدعموه ويكونوا معه يثبطونه ويكرهونه، فيترك ويعود لما كان عليه.
ولطلاب العلم طاقات لا يستهان بها، فمنذ القدم كانوا يسافرون مسيرة شهور لأجل حديث واحد، وكانوا علماء بحق حتى اليوم تجد من يحفظ صحيح البخاري والقرآن غيبًا والقراءات العشر، فكم هي طاقة هؤلاء العقول النابغة! وماذا يحدث لو وضعوا نصف هذه الطاقات بعلم الفيزياء مثلً؟!ا
أخيرًا الدين هو من يحث على العلم والتفوق، فلا يكون لنا حجة بإهمال العلوم الحياتية، ونطلب من مشايخنا الكرام الحث على العلم فهو جهاد يقارع به الأعداء غدًا، ونصرة الإسلام لا تنحصر بالعلم الشرعي بل الإسلام بأمس الحاجة إلى العلم الحياتي؛ لأن الإسلام مكتمل وعندنا من علماء الدين جمع كثير، أما علماء الرياضيات والفيزياء والكيماء، وباقي العلوم الدنيوية الأخرى، فهم قليلون جدًا، وأغلبهم تستقطبهم أوربا وأمريكا ونحن نعلم علم اليقين لو أن الملتزم أصبح عالمًا أو دكتورًا او مهندسًا يستحيل عليه ترك بلاد المسلمين ويخاف الله في عمله ويعمل به كما أمره الله، واعلموا أننا مأثومين إذا تركنا العلوم الحياتية؛ لأنها واجبة علينا نحارب بها وننتصر، ومعها تتوازن القوى فنصنع ما نريد بأيدينا وباسمنا فلا نحتاج سيارة اليابان أو طائرة أمريكا، لذا فإن ما نحتاجه اليوم هو العلم الحياتي أو الدنيوي مصحوبًا بالالتزام، فنكتفي بذاتنا وننتصر على أعدائنا.