حنان حسن |
“ما من أم عاطلة عن العمل، الأمومة في ذاتها أشرف الأعمال” (بيير فرانس)
في البداية لا أقصد من المقال المقارنة بين وظيفتَي المرأة في الأمومة والتربية والعمل المهني، فالكثيرات استطعنَ التوفيق بين الوظيفتين، لكن أريد فيما سأقول أن يُدرَج مبدأ العمل في مكانه الصحيح، فأنا أرفض ما يتم فرضه من قيم العولمة المادية بجعل العمل خارج البيت للمرأة أمرًا بدهيًا أو فرضًا اجتماعيًا، أو جعله السبيل الوحيد لرفع شأنها، في حين إن ذلك غير عادل، ولا يكون، تمامًا مثلما أن أعمال المنزل لا تكون سبيلًا لرفع شأن الرجل إذا ما تولى القيام بها.
وحديثي عن عمل المرأة خارج بيتها لا يشمل خروجها لطلب العلم والثقافة والدراسة، فهذا أمر آخر، وهو مطلوب يسبق أي مهمة أو وظيفة يقوم بها الإنسان في حياته، ولا يشمل أيضًا ما إذا كانت المرأة لديها علم تنفع به، أو رسالة تدعو إليها، وتجد نفسها مكلَّفةً بتبليغها، فليس الإشكال في هذا، إذ يؤهِّل الله من يشاء من عباده، ويؤتي الحكمة من يشاء منهم، لحكمة لا يعلمها إلاه، ولا يشمل أن تكون امرأة عاملة تغني بعملها نفسها أو تعين أهلها أو زوجها.
ولكن مشكلتنا اليوم هي في أن يغدو العمل المهني بالنسبة إليها غاية المنى وسر السعادة والهنا، ذلك كأحد نتائج دعوات المساواة بالرجل، والعاقلة هنا أو صاحبة هذا التوجه لا تدرك أنه تم تكليفها حملاً فوق طاقتها، حملًا ليست كل امرأة قادرة على حمله، وأنه بدل من أن يتم المساواة بها مع الرجل قد تم ظلمها وزيادة أعبائها دون أن تزيد تلك الدعوات أي من واجبات الرجل، فإذا كانت المرأة قد خرجت للساحة المهنية ومارست كل عمل يمارسه الرجل، وأثبتت أنها قادرة على ذلك، فإن الرجل لم يجلس في الببت ليتولى تربية الأطفال والقيام بأعمال البيت من غسل وتنظيف وترتيب…، فأي مساواة بذلك.
“كتبَتْ إحدىٰ المثقفات: “العمل مسؤولية وأنا أحب الحرية، العمل عبء وأنا أحب الرفاهية”
ثم إني أتساءل: هل العمل هو السبيل الوحيد لتثبت المرأة نفسها وتحقق ذاتها؟ بالطبع لا، فليس هذا هو المقياس الحقيقي، إنما المقياس ما مدى أهمية وفائدة ما تنتجه كل منهما، وهنا إنتاج المرأة التي لا تعمل يعني إنتاجها في تربية وتنشئة أطفال أسوياء فاضلين مؤهلين لخوض وظائفهم في الحياة وأداء مهامهم وتحمل الأعباء التي ستقع على عاتقهم.
يؤلمني جدًا أن نكون في اجتماعٍ أو مجلس علمٍ وتعريف النساء بأنفسهنَّ بثقةٍ وفخرٍ حينما يقلنَ أنهنَّ طالبات جامعيات أو موظفات أو معلمات، بينما تخفض إحداهنّ صوتها عندما تريد قول إنها: ربة منزل، حتى لو كانت هي في الحقيقة صاحبة شهادات وإنجازات علمية عالية، هنا نجد الفجوة واضحة في وعينا بكنه واجباتنا في الحيا.
أعلم أن مجتمعنا مجتمع متدين بفطرته، يحب دينه، إلا أن مشكلتنا ليست مشكلة نقص في التدين، وإنما نقص وتشوه في المفاهيم، لذلك أناشد ربّات المنازل وأقول لهنَّ بإمكان كل واحدة منكنّ أن تفخر بكونها مالكة لشركة كبيرة، أو صاحبة مصنع كامل، مصنع يَشْرُفُ بكثير عن تلك المصانع التي تنتج الأشياء، لأنها تمتلك مصنعًا للبشرِ أنفسهم، الذين يصنعون الحياة.
وكما يُعرَف الإنسان بإنجازاته وأعماله، كذلك يمكنكِ التعريف عن نفسكِ بما أنجزتِه في هذا البيت الصغير بحجمه، الكبير بأثره، فكما يقول المفكر: أنا مؤلف كتاب كذا، ويقول آخر: أنا مخترع كذا، أنتِ أيضًا يمكنك أن تجعلي هدفكِ وإنجازكِ تنشئة وتربية أمم بحالها، قولي: أنا أم فلان وفلانة، اعتزي بهم وافخري، أو على الأقل اعملي وخططي وافعلي ما تريدين، بتوازن وانطلاق من أهداف سامية، وعن وعي بأن عملك نابع عن رغبة حقيقة منكِ وليس من دفع وتأثير المجتمع وسيادة القيم الغربية المادية غير العادلة، واحذري أن يشار إليكِ بنجاحكِ في العمل خارج البيت ثم يُقال: لكنها فشلتْ في تربية أولادها وصناعة بيت متوازن وناجح لعائلتها.