عندما ترتاح الثورات تأفلُ سريعاً، إنّ الثورة هي انتفاض دائم ومتجدد حتى تحقّق أهدافها، وإذا ركن الثائرون للراحة فهذا يعني أنَّهم تخلوا عن أهدافهم، أو تعبوا من النضال، أو استسلموا لِمَا وصلوا إليه، واكتفوا به، وقرروا أن يتوقفوا عند هذا الحدّ، فالمغامرات القادمة ربَّما تكون أشدّ قسوة وألماً، فعلينا أن نرضى بقليل من الأحلام في هذه السنوات العجاف.
ربَّما نحن محقّون، فقد تعب الثوار، واستُهلكوا، وجفّت عن سواعدهم قدرةُ المواصلة، ربَّما لم يستطيعوا -للأسف- أن يصنعوا جيلاً يحمل الراية من بعدهم، لقد كانوا ثواراً لمرةٍ واحدة، قامت الثورة بهم، وها هي ربَّما مرة أخرى تسقط بسقوطهم، فالثورة القائمة على أفرادها فقط، تنتهي مهما طال بها الزمان.
ربَّما أيضاً، هم فعلوا كلَّ شيء على أكمل وجهٍ ممكن، ولكن حجم التحديات من حولهم تجبرهم على الاكتفاء بقليل من الثورة فقط، لكي يحافظوا على من يفجرها مرةً أخرى لتسترد البلاد والكرامة والحرية كاملةً … كاملة.
ربَّما … كلُّ ما ذُكر على شدّة تعقيده صحيح، هناك من تعب، هناك من اختصر الثورة في شخصه فقرر سقوطها عندما توقف، هناك من يرى أنَّنا لا يمكن أن نتابع في هذه المرحلة وعلينا أن نكتفيَ بما حققناه لنتمكنَ من مواصلة النضال يوماً، هناك أيضاً من هو مؤمن بمزيدٍ من الإعداد، يحتاج مزيداً من الوقت … وآخرون تختلف وجهات نظرهم على قدر ما تختلف هذه البلاد في تضاريسها.
ولكن علينا أن نعي أمراً واحداً هو، ربَّما للمرة العاشرة، الشيء الوحيد الذي لا يمكننا أن نتجاوزه، “كثائر لا يمكنك أن تتوقف، عليك أن تصلَ لكلّ ما تريد من هذه الخيارات السابقة وأنت بكامل عنفوانك، عليك أن تتقن التوقف ويدك على الزناد والرصاص يتأرجح بينك وبن عدوك، عليك أن تعبّر عن تعبك بمزيد من الإصرار، ألّا تَسقط إلا واقفاً كالرجال، عليك ألّا تستسلم إلّا والدماء تُغرق أعداءك في تدفقها، عليك ألا ترضى بالقليل أبداً إلّا وأنت تحاول تسلق قمم الجبال وكأنَّها لك لا محالة.
عليك أن تكون موقناً أنّ الراحة التي تحلم بها لا يمكن أن تمنح لك إلا ذليلاً، فإيَّاك أن تلقي الجهد والنضال عن ثورتك، حتى وإن كنت تعتبر أنَّك أنت الثورة فقط، فكن وفياً لكيلا تنتهيا إلا معاً، وإلا فأنت مجرد مغامر أحمق، ستلعنك هذه البلاد يوماً.
كلُّ الخيارات هي لك، ولكن هذه الثورة هي لكل من في هذا الوطن، فدعهم يقرّرون مصيرها جميعاً،.. وابقَ ثائراً في سبيل ما يريدون، ولا تخلد للراحة أبداً حتى لا تخسر كلَّ شيء.”
المدير العام | أحمد وديع العبسي