منذ أربعين سنة بدأ حكم العبودية وأصبح قائماً في سورية حيث سيطر فيه البعثيون على كافة أركان الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، وأهم مرتكز انطلقوا منه لبسط حكمهم الجائر واستبدادهم المتخفي وراء كواليس مسرحياتهم الهزلية هو سيطرتهم على الحياة التعليمية بكافة مراحلها.لقد تغيرت الحياة التعليمية في سورية عندما أصبحت في قبضة البعث وخباياه الفاسدة تغيّراً جذريًّا لما كانت عليه، حيث قام الحزب بقيادة الأب الأسد بتأسيس ما يسمى بمدرسة العبودية التي اعتمدت على تلقين الطفولة أفكار الحزب المهترئة خلف أعمدة ما يسمى بالأمة الواحدة والرسالة الخالدة وتعليمهم كيفية الولاء لقائد الحزب والوطن والمعلم الأول.فالمدراس في سورية تتمثل بسجن مرتفع يحيط بها سياج من كل جانب، وهي بذلك تحاكي مثيلاتها في بلدان الاستبداد (كوبا، كوريا الشمالية)، وعندما تلقي نظرة على ما في داخلها ترى بأنها مطلية بألوان الحزب وشعاراته الكاذبة وصور القائد المنتشرة في كل زوايا البناء، هذه هي مدرسة الحزب، سجن تعليمي سوداوي، كل شيء فيه مرتبط بالحزب من بابه إلى سلة قمامته (إن كان هناك سلة قمامة).لم تقتصر سياسة الحزب العبودية على نشر تعاليمها على جدران المدراس بل تعدت لتشمل الكتب والمناهج التعليمية، فكتاب القومية أو ما يسمى العبودية الوطنية يعتمد في مراحله كلها على خيط واحد يحوك للتلاميذ أهداف الحزب التي لم ولن يتحقق منها أي شيء. ولم تقتصر أيضاً على نشر أفكارها عبر الكتب والمناهج التدريسية بل قامت أيضاً بتهميش الكتب الدينية ومنع نشر الكتب التي لا تتوافق مع تعاليمها (كتب ابن تيمية…) حيث كانت تسمح بنشر ما هو مكتوب في أقبية المخابرات وما يتماشى مع متطلبات الغرب وأهدافه.هذه المدرسة أشبه بسيرك مسرحي يلزمون فيه المعلمين بتعليم الأولاد فنون التهريج والهزل ويستخدمونهم كألعاب الليغو يغيرونهم ويوجهونهم كما يشاؤون، و مع الزمن ترى بأن التلاميذ قد حُقنوا بأبشع ألوان السيطرة والولاء وبالتالي فإن مدرسة العبودية هي التي نشرت الفساد ودمرت البلاد و زرعت في نفوس الأجيال الضعف والاستكانة ، وما رأيتموه من شبيحة و فساد علمي و اجتماعي و أخلاقي هو من خريجي هذه المنشأة، ولكن على الرغم من ذلك لم تفلح هذه السياسة في تقييد فطرة الإنسان البشرية المتمثلة بالحرية والكرامة فالثورة في الشام بدأت بتمرد أطفال درعا وهناك هُدم أول حجر في مدرسة العبودية.هنا السؤال: هل زالت مدرسة العبودية…؟إنَ هذه المدرسة لم تنته بشكل قطعي لكنها في طريقها إلى الزوال مع اختفاء النظام وسياساته اللعينة ، فثورة أهل الشام وخصوصاً طلابها ورجال العلم فيها مهدوا الطريق للتخلص من هذه المدرسة وأفكارها الفاسدة التي غزت عقول الطفولة والبراءة.لكن في المقابل هل ستبنى سورية الحرية والكرامة، سورية الحديثة باختفاء هذه المدرسة…؟إنّ سورية المستقبل لن تنهض بزوال النظام وأعماله فقط ولن تبنى بالسلاح والقوة والتنكيل العسكري بل ستبنى عندما يصبح التعليم فيها حرًا خالياً من الأشواك التي استخدمها النظام على مدى أربعة عقود في خطف عقول الطلاب، و بالنظر إلى بلدان العالم نرى أن اليابان قبل الحرب العالمية الثانية سيطرت عليها الشيوعية والنازية وغيرها من لغات العبودية ثم دمرت أثناء الحرب لكنها عادت ونهضت من جديد سالكة سلوك التعليم الحر.لنكن على يقين – إذًا- بأن سورية لن تزدهر إلا بالعلم الصحيح وليس بالقوة والسلاح والبداية تكون في توعية الطفولة وتربيتهم على الإسلام وتلقينهم علماً تطبيقياً مرتبطاً بأخلاقيات دينهم وأهدافه ومتابعة ذلك في المراحل التعليمية اللاحقة، وبهذه الطرق تُبنى مدرسة العلم والمعرفة وتُهدم مدرسة النظام العبودي.إنّ العلم الصحيح هو السبيل الوحيد للنهوض بالأمة والرقي بها إلى أعلى المراتب قال تعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير”