بقلم : زيوان البلدمن أجل أن نفهم ما يجري في الوقت الحاضر في “عين العرب ” المراد تحويلها إلى “ثقب أسود” جاذب للأجرام المحيطة (القريبة منها ثم الأبعد فالأبعد ) علينا قراءة هذا المشهد في ضوء ما أعلنته الإدارة الأمريكية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي على لسان أحد مسؤولي وزارة خارجيتها نهاية الثمانينات حين صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية بعد القضاء على “الخطر الأحمر” أصبح عدوها رقم واحد هو “الخطر الأخضر”.ولقد كان للأسد الأب السبق في العمل على تجسيد هذه الاستراتيجية في المنطقة العربية، حيث قام باختبارها الأول في عام 1982 (أي قبل إعلانها من صاحبتها) حين أباد مدينة كاملة بهدف القضاء على “الخطر الأخضر” ضمن نطاق الأراضي السورية طمعاً بتأبيد سلطته على الدولة فيها.اعُتمد هذا الحاكم وكيلاً حصرياً لسياسات الإدارة الأمريكية غير المعلنة بعد تمكينه، لجعل المشرق العربي حقل تجارب للأفكار الشاذة في سياساتها. وكانت أولى توكيلاتها لنظام الأسد في عام 1976 حين منحته حق التصرف بلبنان مقابل القضاء على القوة المتنامية لـ”منظمة التحرير الفلسطينية” وبتغطية من “جامعة الدول العربية” حيث نجح الأخير بتنفيذ مهمته على الوجه الأكمل. وتم تمديد هذا التوكيل عام 1991 مكافأة له على مشاركة قواته المسلحة في محاربة الجيش العراقي بعد إقدام صدام حسين على احتلال الكويت .وإذا دققنا في ما يجري حالياً في “عين العرب ” من غارات جوية ذات طبيعة ملتبسة ضد “تنظيم الدولة” الذي يحاول دخول المدينة والسيطرة عليها. يحضرنا أسلوب نظام الأسد في القضاء على “الإسلاميين” في الداخل السوري إثر التحرك العسكري لجماعة “الطليعة المقاتلة” ذات التوجه الإسلامي عبر خطة استخباراتية اختارت مدينة حماة مسرحاً لها في عام 1982، أطلق عليها اسم “شبكة العنكبوت” والتي نجحت أيما نجاح على جثث آلاف السوريين (أحياء وأموات) رابطاً مستقبل الدولة السوري به كوكيل ضامن للسياسات الأمريكية.حيث تكونت هذه الخطة من أربع مراحل قضت بـ:1-إخلاء المدينة من مظاهر السلطة المركزية كافة بهدف إيهام السيطرة عليها.2-استقطاب وتجميع “العصابيين” من جميع أرجاء البلاد في المدينة.3-عزل المدينة وتطويقها لمدة من الزمن لإضعاف المحاصرين المتجمعين مادياً ومعنوياً.4-الهجوم على المدينة من الجهات كافة (حتى من الجو) في وقت واحد بحيث يسهل القضاء على من فيها بزمن قياسي.بعد إنجاز المجزرة تبدى للعيان كيف أن القضاء على تجمعات “الإسلاميين” في عموم سوريا بجميع ألوانها سياسية كانت أم اجتماعية أم إرشادية دعوية أصبح أولوية سياسة نظام الأسد وبكافة السبل والوسائل من خلال (التصفية، الاعتقال، التهجير… إلخ)، إلى درجة أن النظام سنَّ قانوناً يتسق مع استراتيجية الشذوذ، يجرَّم الفرد فيها بمجرد الانتماء لتنظيم سياسي ذو منهج إسلامي بعقوبة الإعدام.وسنلاحظ في الوقت الحاضر، أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بمباشرة تنفيذ استراتيجيتها “أصالة” باستغناء مرحلي عن الوكيل، للقضاء على ما أسمته فيما سبق “الخطر الأخضر” ويبدو أنها تسترجع مخططها القديم المنفذ عبر وكيلها في مجزرة حماة. وتم اختيار “عين العرب ” لتكون “البؤرة” المعدَّة للتمكن من “الفريسة”، لقلة سكانها وحجمها الصغير وقابليتها للحصار العسكري كونها معزولة نسبياً، ووقوعها وسط مسرح الأحداث المناسب لاستجلاب عناصر “تنظيم الدولة” من العراق وأرجاء سوريا.من الفريسة؟ ومن هو الطُعم؟ أهو “تنظيم الدولة”؟…أم “الثورة السورية”؟فكأنما الضربات الجوية الذي ينفذها التحالف هي بداية للمرحلة الثانية من خطة “شبكة العنكبوت” آنفة الذكر باتساع أكبر وتشابكات أعقد. ولن ينتهي الأمر بإفناء “البؤرة”، بل ستكون نقطة البدء لملاحقة جميع التشكيلات والهيئات ذات التوجه الإسلامي في سورية والعراق وما لفَّها، وحتى تلك المناهضة منها لـ”تنظيم الدولة”.لتكن بوصلتنا الآية الكريمة: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” رغم كل الجهود الحثيثة داخل الوطن وخارجه لتصويرنا مجرمين مهووسين بالقتل. يفعلون هذا لأنهم يخشون لحظة زمنية محتملة يفهم فيها الفرد المسلم قول محمد r: “رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ” وأن يبدأ السعي لمعرفة جوهر ما يجري أمامه وحوله فلا يكتفي بالمكشوف المراد له أن يعرفه، لأنه بهذا سيصل إلى بيان حقيقة المعرفة التي تبني الأمم. ونحن الآن بحاجة أكثر من أي وقت آخر للبحث عن جوهر لذاتنا!!