بقلم : غسان دنولطالما تساءل الكثيرون: لماذا قامت الثورة السورية ومن يقف وراءها وما هي ضروراتها ولماذا كانت حتمية، فأجبنا من أجل التغيير، قالوا: عن أي تغيير تتحدثون؟ قلنا المجتمع، فقالوا: وما عيوب المجتمع؟ يا أخي كنا عايشين!قلنا يا سبحان الله! إن الدواب والأنعام تأكل وتشرب وتعيش فما الذي يميزكم منها؟ وهل يطيب العيش لمسلم وهو يرى الرشوة والمحسوبية والكفر بالله والرذيلة والعبودية والخضوع واحتكار المواد والتشيع وعلماء السلطان المساندين للباطل ؟ادخل إلى مؤسسات الدولة تعرف لماذا ثارت الملايين من رقدتها، ففيها ترى الأبواب الموصدة والأقفال الصدئة التي لا تفتح إلا بـ ( البرطين ) أو الرشوة، ولكل موظف مفتاح بحسب قياس كرشه، وترى كيف يتعامل موظفو الدولة الأسياد مع (الأخوة) المواطنين العبيد. ثم يقولون عايشين!ثم ألقِ نظرة على المؤسسة العسكرية التي تأخذ النصيب الأكبر من ميزانية الدولة لتذل أبناءنا وتفسد فطرتهم وتحشو أذهانهم بالشعارات القومية التي لم تحرر شبرًا من أراضي الوطن، ففي دورة الأغرار يتعلم فيها ( الكر ) عفوًا الغرّ كيف يعوي ليرعب عدوه ويجعله يفر هاربًا منه، ويتعلم كيف يركض بسرعة الكلب السلوقي أثناء الانسحاب التكتيكي، ويتعلم كيف يحني رأسه لأرذال الناس وكيف يتجرع الذل والهوان وهو سعيد مبتسم. ثم يقولون كنا عايشين!يعتبر الجيش العربي السوري جامعة للفساد تخرج في كل عام آلاف المخدرين والمنبطحين، ففيه أقسام الضلال بأنواعه، وفيه تمنع الصلاة ويعاقب من يؤديها، وما زلت أذكر تلك الكلمات التي سمعتها من ضابط إذ قال: ( هون ما في عندنا الله )، فالجيش السوري يتبنى الكفر بالله والولاء لسيد الوطن عقيدة له، ومن لزومياته شرب الخمر والزنا ولعب الورق والقمار وسب الله والأنبياء، ثم يقولون هنا مصنع الرجال وكنا عايشين!ثم انظر إلى الرذيلة التي تنتشر في كل مكان من أرجاء الوطن، فقد أصبح معرض الأجساد في سورية فنًا، والزنا المنتشر في الفنادق سياحة، وزواج المتعة دينًا، والمراقص التي تعمل ليل نهار مراكز استجمام وراحة، ثم يقولون كنا عاشيشن!ولقد أعطت وزارة الأوقاف الضوء الأخضر والفتوى الشرعية للشذاذ والزناة ليقيموا النوادي الليلية على أراض تابعة لها، بل وصل الحد إلى ترخيص بيوت الدعارة ومراقبتها من قبل وزارة الصحة حرصًا على صحة ( الأخوة ) المواطنين من الأمراض التي تنتقل عبر الممارسات الشاذة، ثم يقولون كنا عايشين!وفي دكانة النظام الدينية تشكيلة واسعة من الأديان السماوية والأرضية وتحت الأرضية، يختار منها ( الأخ ) المواطن ما يشاء في الوقت الذي يشاء، مبتعدًا عن السياسة كي لا يوجع رأسه ويتعب روحه، ويشترط له أن يتعايش مع باقي الأديان فيحب عباد الفرج ويحترمهم، ويوادّ من يعبد الرئيس ويسجد له، ويقبل من يسب الصحابة، ويعاون من لا يعترف بوجود الله ويعترف بوجود الحاكم وزبانيته في كل مكان، الجميع يتعايش وفقا لفتوى شيخ إسلام النظام السوري أحمد حسون فهو يرى أنه لا فرق بين سوري وسوري إلا بالانتماء الوطني وحبه الوطن وقائد الوطن وزوجة قائد الوطن وأعمام قائد الوطن وأولاد عم قائد الوطن. ثم يقولون كنا عايشين!وقد يفكرون ثم يتساءلون: ماذا حققتم من ثورتكم غير أنكم خربتم البلد؟لقد حققنا أولا أساس وجودنا في هذه الحياة، فنحن الآن موحدون أحرار، وعلى الرغم من خلافاتنا إلا أننا نتفق على قتال الباطل، وسنمشي في طريق نصل في النهاية إلى نقطة التقاء لنحتكم إلى شريعة القرآن لا شريعة الأسد في غابة الحيوان.لقد مسحنا من أذهاننا الجبرية التي لقنونا إياها لنستكين ونستسلم، فهب منا الآلاف، فهذا مجاهد يذود عن دينه وعرضه وأرضه بدمه، وذاك إعلامي يرافقه بعدسته الصغيرة لينقل بطولاته وصبره، وهذا صحفي يوثق الأخطاء ويقترح الحلول كيلا يقع فيها غيره، وهؤلاء أطباء وممرضون ومسعفون يعملون ليضمدوا جراحنا.والأهم من ذلك أننا كنا أجسادًا بلا أرواح وأمواتا تنتظر من يكفنها، فاستيقظنا من سباتنا، لنطالب بحياة كريمة سنسعى إلى تحقيقها ولو بقينا في مركب البحث مئة سنة.