رئيس التحريروقف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نيكسون ذات يوم وقال من دون خوف أو وجل: ” إن العالم لم يهب لنجدة سراييفو لأن غالبية سكانها مسلمون” ولو قدر لنيكسون أن يعلق بجملة على ما يجري في الشام منذ خمس سنوات لأعاد الجملة نفسها، واستبدل سورية بسراييفو!إن حركة التاريخ ودورانها لا تتكرر بصور الحرب والسلام والصعود والسقوط فحسب، وإنما تتكرر أفكاره وعقائده وقيمه وأهدافه، ألا ترون أن أكثرنا يحمل عين المشروع الذي حمله أجداده ويحاول أن يسلك الطريق الذي يوصله إليه وإن كلفه ذلك ماله أو نفسه؟ هذا التفكير الطبيعي يتطلب منا العودة إلى الأحداث القديمة وقراءتها ومقارنتها مع الأحداث التي نعيشها، ويتطلب منا أيضا أن نتعرف إلى الطرف المقابل الذي يقف في طريقنا حجر عثرة، وإلى العقائد التي تحركه لنصل إلى رؤيته ومخططاته فنكشف الستارة عنها فتبدو واضحة للجميع.ولكن سوء فهم العدو وقراءة التاريخ على أنه قصص تشكل مادة دسمة للمسلسلات الفنتازية في شهر رمضان، وعدم قراءة التاريخ قراءة صحيحة دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد أن الغرب المتحضر هو الذي يستطيع إيقاف الحرب في سورية وبيده مفاتيح الحلول، ومفاتيح الجنة التي ستنقذنا من جحيم الأسد، وهو الذي سينشر حماماته البيضاء في سماء الأوطان، فراحوا يستجدون نصرة الأمة ودينها ممن يبغضها ويكفر بإلهها ونبيها وقرآنها، ويترددون على أبواب الغرب لينصرهم ويثبت أقدامهم، متجاهلين أو ناسين أن الذين يدعونهم لا يلبونهم حتى ينخلعوا عن دينهم ويقفوا في صفهم.إن هذا الفهم السقيم وجد في بعض المراحل الشديدة التي مرت بها الأمة، وأدى إلى سقوطها ووقوعها فريسة سهلة في براثن أعدائها، وإن حضور الفهم ذاته بصورة أبشع مما كان عليه ينذر بكوارث كبيرة، ومراحل صعبة تحتاج إلى المصابرة وأفراد يأخذون دورهم يمكن وصفهم بـ (الاستثنائين).إن بشاعة الصورة الجديدة تأتي من محاولة تزيين الفهم الخاطئ الذي لا يفرق بين العدو والصديق، ومن الدفاع عنه بالنفس وإكراه الآخرين عليه، وتحميلهم مسؤولية ضياع الأمة لأنهم لم يسالموا أعدائها باسم السلام العالمي.إن التربية الاستسلامية التي نشأ عليها أولئك تقف اليوم في وجه كل حركة تحررية تريد أن تكسر النير وتصحح البوصلة وتدل إخوانها إلى الطريق القويم، بعد أن سهلت للأعداء نقل حربهم إلى أرضنا بفتاوي السلاطين الواقفين على الأبواب، المتمسحين بالأعتاب، فلولاها ما كانت لأمريكا في العراق ولليهود في فلسطين وللنصيرية في الشام موطئ قدم، ولولاها ما كان للباطل جولات وللحق نكسات في أرض المسلمين.ولذلك فإن الأمة أمام تحد كبير يحتاج إلى همم عظيمة، التحدي الأول هو المواجهة والمقارعة بعد تربية الإيمان في النفوس وإعداد ما تستطيع أخذاً بالأسباب. والتحدي الثاني هو تصحيح المنهج وإخراج طائفة كبيرة من أبناء الأمة “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” ليتحقق فيهم وصف ربهم “وإنا جندنا لهم الغالبون”. فتتحقق لهم الغلبة بإذن الله لا بإذن الأمم المتحدة وأمريكا!!