سبع سنوات وثامنة تكاد تقترب، ذاق خلالها العباد والبلاد ما لا يطيقون، حتى كاد بعضهم يصف الضيق الذي وصلنا بأصعب ما مرّ في التاريخ، وسأسرد هنا قصتين:
الأولى: غزوات التتار والمغول وشدة الكرب.
حيث وصل عزُّ الدولة الإسلامية إلى الصين والمغرب العربي والأندلس، وما كان ينافسها إلا الصليبيون في ذلك الوقت.
لكن بسبب تشرذم الأمراء وتشتتهم وتقاعسهم عن الجهاد أظهر الله قوة التتار من الصين ليعيثوا فساداً وظلماً، ويقتلوا الملايين ويسبوا ويستبيحوا مدنا بأكملها، فاستولوا على مدار خمسين عاما أكثر من نصف أراضي الدولة الإسلامية
حتى وصلوا مصر ووجهوا هذه الرسالة لحاكمها آنذاك المظفر قطز:
“باسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه،… فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص؛ فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال!
فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع؛ لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن ردِّ السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)…” .
فبعد أن قرأها وقف وخطب وحرض وعانى جداً حتى أقنع الأمراء ليقفوا معاً ويدافعوا عن مصر.
ثم ما لبث أن قرر الهجوم بدل الاستكانة والاستسلام، فكانت المعركة الشهيرة في عين جالوت وانكسرت أسطورة التتار بعدها. فهل فينا بلاء كأيام التتار حتى نشتكي؟!
الثانية: حادثة نزع الحجر الأسود من مكة وتجبر الغزاة.
القرامطة من أسوأ الفئات، قرروا أن يسرقوا الحجر الأسود ليحج الناس إليهم بدلاً من الكعبة في مدينتهم هجر.
فكانت المذبحة التي تجاوز قتلاها ثلاثين ألفاً، وألقى وقتها قائدهم الملقب أبو طاهر
أبياتاً من الشعر يتجبر بها ويتعالى.
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
فلمَّا قضى الكافر المجرم فعلته الشنيعة بالحجاج أمر بأن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثير منهم في أماكنهم في المسجد الحرام، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها وشقَّها بين أصحابه، وأمر رجلاً أن يصعد على ميزاب الكعبة ليقلعه فسقط على أم رأسه فمات في الحال، ثم أمر بعد ذلك بقلع الحجر الأسود فجاءه رجل فضربه بسلاحه، وهو يقول أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، وأخذوه إلى بلادهم وخرجوا وهم يقولون:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبًا
لأنا حججنا حجة جاهلية محللة لم تبق شرقًا ولا غربًا
وإنا تركنا بين زمزم والصفا جنائز لا تبغي سوى ربها ربًا
وبقي الحجر الأسود لديهم 22 عاما. فعن أي بلاء نتحدث؟!
ما أريد أن اشير إليه من مقالتي:
إنَّ شدة الكروب والابتلاءات على الأمة الإسلامية ليست حديثة عهد، والعبرة دوماً
كانت كيف استطاعت الأمة العودة والنهوض من جديد برجل واحد أو أكثر يثبت على الإيمان ويحرض من حوله، فكثيرا ما نهضت الأمة من جديد وحكمت أصقاع المعمورة، وحسبنا بالمظفر قطز والناصر صلاح الدين والعز بن عبد السلام والأمثلة كثيرة… فنحن أمة متجددة لا يتملكها اليأس، تنهض من أبسط مقومات الحياة، فما بال شباب اليوم تملكهم اليأس واستكانوا؟!
أين عزيمة المؤمنين بالله والموقنين بنصره ولو بعد حين؟!
إن كنا مؤمنين حقاً فلننهض من جديد ونستجمع شتاتنا…
كفانا تخوين، كفانا تقاعس، كفانا تخاذل، فما نحن فيه بعد سبع سنين عجاف
نصر بحدِّ ذاته.
اليوم نحن أمام خياريين: إما أن ننهض من جديد، وإما أن نرجع إلى حضن الوطن ويستبدلنا الله بقوم آخرين…