بقلم سعود الأحمد
ما زالت القضية السورية هي المتصدرة على شاشات الإعلام كونها حديث الساعة والعقدة التي تشغل بال الكثيرين في هذا العالم، فالجميع يترقب ويتوجس ويحبس أنفاسه منتظرا ما ستؤول إليه الحرب التي حرق بها النظام السوري البشر والحجر.
ولا يخفى على أحد بأنَّ النظام والروس فرحون بالوصول إلى هذه المرحلة، فهي تدخل ضمن الخطة الحربية المرسومة التي تهدف إلى خلط الحابل بالنابل وتشابك خيوط الملف السوري وكسر المعنويات، وإضعاف الحركات الجهادية في الساحة السورية قبل الرضوخ والاستسلام، وانتظار الباصات الخضراء.
هذا ما تتمنى روسية تحقيقه بطائراتها التي تقصف المدنيين وتمهد لهجمات النظام البرية، لأنَّها تعلم أنَّها غير قادرة على الاستمرار في الحرب السورية التي قد تبقى طويلة الأمد إن لم تتبع هذه السياسة الهمجية الخبيثة، فكلفة الحرب لا شكَّ سترهقها، والخسائر ستسبب لها ضغطا من قبل مجتمعها، ولذلك كان لا بدَّ لها من الانتقال إلى عمليات الحرب البربرية والحرب النفسية، لبث الوهن وتعطيل الطاقات.
ولا ننكر أنَّ الروس قد نجحوا جزئيا في الحرب النفسية، فخلفوا المهزومين نفسيا الذين بدؤوا يفكرون بكيفية العودة إلى حضن النظام، والعمل في مسلسل المصالحة الوطنية الذي تخرجه المخابرات السورية والأفرع الأمنية، ولكن تبقى هذه الفئة قليلة بالقياس إلى بقية الشعب السوري في المناطق المحررة، فقد أدت هذه الهجمات الشرسة، وحالات التغابي والكذب المفضوح التي تمارسها روسية سياسيا، أدت إلى استثارة الوعي عند كثير من السوريين والمناصرين لثورتهم، وإلى التحريض على النمو الفكري والسياسي، وأوجدت حالة من مراجعة النفس وإعادة قراء المشهد بوعي وبصيرة، فسقطت المفاهيم التي كان الغرب يكذب بها على الشعوب، بعد أن تمَّ إعادة النظر فيها من وجهة نظر شرعية سياسية واقعية، وأوجدت وعيا كبيرا بحقيقة ربَّما كانت خافية عند كثير من السوريين ألا وهي أنَّ النظام وروسية وإيران لا يريدون حلا سياسيا في سورية ولا يريدون السلام لهذا الشعب!
لقد استغل النظام السوري فكرة إعادة الأمن وتحقيق المصالحات وإعادة السلام، فهو يقتل من أجل الأمان، وكذلك يريد وحدة الوطن عندما يأتي بالعناصر الأجنبية المرتزقة وعندما يقوم بعمليات التغيير الديموغرافي وتدمير البنى التحتية!
فأين الأمن وأين المصالحة التي يدعيها النظام وهو يقصف ويحرق ويدمر ويشرد؟
لا يخفى على أحد أنَّ منطق القوة هو المحرك الأساس لعمليات الروس والنظام، وعلى أساسه تتبدل نبرة الخطاب السياسي في المنابر الدولية، مع العلم أنَّ مجلس الأمن وتوابعه يعتمدون على نفس المنطق أيضا، فهم يحترمون الأقوى وينصاعون له، وها هي الأمم المتحدة تشاهد عمليات الإبادة البشرية في سورية منذ خمس سنوات من دون أن تحرك ساكنا، ذلك لأنَّ منطق القوة هو الذي يحكمها، وإن رؤيا النظام وروسية للحرب رؤيا جاهلية بامتياز، فهم يوظفون قواتهم لسلب الإرادة وترويض الشعوب، وقتل كل حركة تتطلع إلى التحرر، إنَّه منطق (البقاء للأقوى)
إنَّنا لا نرفض السلام، فديننا يدعو إليه، لتعيش البشرية كلها آمنة مطمئنة، ويدعو جميع الناس أن يبتعدوا عن الشعارات الخداعة وألا ينخدعوا بها، ويدعو إلى العمل وتحويل المضامين النظرية إلى واقع عملي، وهذا ما لا يفعله النظام الذي لا يعرف من الأمن والسلام إلا أنَّها شعارات يكذب بها ويتستر خلفها.
كل هذا يقودنا إلى أنَّ النظام السوري والروس لا يقتنعون إلا بمبدأ القوة، ولذلك ليس أمام الثوار إلا الإعداد ومقارعة قوى الباطل حتى استرجاع الحقوق وتحقيق الحرية لجميع الشعب السوري.