بقلم : رئيس التحريرلا يخفى على ذي لبٍّ أنَّ الأحداث المتسارعة تلقي على عاتق الأمة حملًا تنوء عن َحمله الجبال وتعبًا عظيمًا وجراحًا كبيرة، وتضعها في ظروف قاسية تعاني منها الأمرين، فمن النكبات المتلاحقة إلى الانكسارات، إلى المواجهات غير المتكافئة، إلى العيش الصعب في ظل الفوضى والحرب.وربَّما كان التفرُّق الذي يَنخر في عظام الأمة، والتَّمزق الذي يفرق صفها ويشتت شملها، والتباعد الذي يغذي الضغينة بين أبناء الهدف الواحد والطريق الواحد من أشدِّ الأخطار التي أوصلت الثورة السورية إلى ما هي عليه اليوم. فكثيرًا ما رأينا الجماعات التي تقف شامخة خلف الكاميرات تعلن عن ولادتها بمعزل عن أخواتها وأهلها، أو تعلن انشقاقها وخرقها للسفينة باعتبار أنَّ لها حصةً فيها، والذي يدعو إلى العجب أن افتتاحيات التشكيلات التصويرية تبدأ بقوله تعالى:) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا( آل عمران 103، ثم تتحدث عن فضل التوحد والتلاحم وضرورة رصّ الصفوف.ألا تلاحظون أننا وصلنا إلى طريق صار توحيد الصف فيه واجبًا؟! يأثم من يرفضهُ ويردُّهُ، خاصة ونحن نرى التداعيات الأخيرة التي تحاول وأدَ الثورة في مهدها أو حرفها عن مسارها وأهدافها.لقد أفرحتنا تلك التشكيلات التي تحدثت عن جسم واحد تحت راية واحدة في جيش واحد يجمع شتات المجاهدين ويلم شعثهم ويوحد كلمتهم، ولكن أيادي أبي لؤلؤة المجوسي امتدت لتطعن الظهر بخنجر مسموم، والغريب أنَّ أبا لؤلؤة كان ينادي قبل عملية الاغتيال بالتجمع والوحدة، ويتنكَّر بزي عمر!يجب أن نعلم أنَّه عندما تتحول بعض الجهات المقاتلة إلى حمل جديد على كاهل الثورة وتوسّع الهوة بين الكتائب والجماعات وتفتح ثغورًا جديدة، فإنَّها على الطريق الخطأ، فبدلًا من أن نبشر بعنوان جديد يلمُّ المتفرق ويصهر التسميات في مسمًى واحد، نرى العناوين الرنانة التي تطرب الآذان والتسميات الطنانة التي تخيف السباع ولا تستحي من قرارات الانفصال.وأمام هذا الواقع تلوح بارقة الأمل من الجيش الواحد الذي يقوم بمطاردة فلول الجيش السوري في مدينة إدلب، ليقدم نموذجًا يجمع المتفرقين الذين ننتظر منهم حلَّ خلافاتهم ومجاهدة نفوسهم وأهوائهم وتغليب مصلحة الأمة فوق مصالحهم.فمتى يعلم المتفرقون أنَّ الأمة لا تسأل عن أعداد أبنائها وأسمائهم وتكتلاتهم وتشكيلاتهم، وإنَّما تبحث عن الصف الواحد والراية الواحدة والكلمة الواحدة؟!