جمال الصطوف
هل تعلم أنَّ تاريخ 19/8 هو اليوم العالمي للإنسانية، وهل تعرف أنَّه بكل سنة تحتفل الدول بهذا اليوم تكريسا للجهود المبذولة من قبل حكوماتها لمساعدة الناس الأكثر حاجة وضعفا، أكثر شيء يثير السخرية من هذه الدول أنَّها تقف من أجل حماية الناس؛ لكن هل عرفت كيف تحمي الإنسان هيئة الأمم المتحدة؟
لنبدأ من الحلقة الأكبر وهي هيئة الأمم المتحدة، فدائماً يكون نشاطها قويا وفعالا في أي قضية إنسانية ” أوربية، أمريكية، إسرائيلية ” فالإنسان في هذه البلدان مختلف عن الإنسان في بلدان العالم الثالث، لنفترض أنَّ هناك طفلا إسرائيليا تعرّض للخطف من قبل حركة حماس الفلسطينية، ستستنفر الأمم المتحدة بكاملها من أجل هذا الطفل.
لكن لن أفترض أي سيناريو مؤلم لإنسان عربي؛ لأنَّ الواقع كله أمثلة عربية.
هل سمعت يوماً عن حمزة الخطيب، إيلان الكردي، عمران الحلبي، هؤلاء كلهم أطفال سوريون.
الأول استشهد برصاص النظام السوري، والثاني غرق بالمتوسط أثناء هرب أسرته من الحرب في سوريا، أما عمران كان الأكثر حظاً فقد خرج من تحت الأنقاض حياً دون أن يذرف أي دمعة.
عمران طفل سوري عمره أربعة أعوام ونصف، من سكان حي الجلوم في حلب، نجا من القصف الذي تعرض له منزله وخرج من تحت الأنقاض، أصبح حديث الساعة على وسائل الإعلام المحلية والدولية، نجاته من القصف لم تمنع فقدانه أخيه بنفس الحادثة.
احزروا من هذا البوكيمون المصاب بالقلق الدائم؟ إنَّه ” بان كي مون ” هذا الرجل منذ توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة دائماً تكون ردّات فعله لأي أحداث تحدث في الشرق الأوسط هي القلق “الله يشفيه من القلق”.
إذا انتقلنا للبيت الأبيض برئاسة بارك أوباما لا يتحرك لشيء إذا لم يكن يهدد أمن إسرائيل، لذلك تجد أوباما وديفيد كاميرون وفرانسوا أولاند هم أكثر الأشخاص استنكاراً لأفعال النظام وقصفه، لكن هناك حدود.
أوباما يقول لبشار الأسد: “يجب أن تقتل الشعب السوري، ولكن إياك والكيماوي، فعندك خيارات كثيرة، مثل القصف المدفعي أو الدبابات أو ممكن أن تستخدم الطائرات”.
فرانسوا أولاند رئيس فرنسا يحكي مع بشار الأسد: “لا بد من التعاون فيما بيننا، بحيث أنت تقتل المدنيين في مناطق المعارضة وأنا أقتل المدنيين في مناطق داعش”.
الجامعة العربية: “هل تعلم أنه في الجامعة إلى الآن لم تخرج بقرار لمصلحة العرب، بالرغم من وجود أغنى الدول العربية فيها (السعودية، الكويت، الإمارات)، فأغلب قراراتها مرتبطة بثلاثة شعارات فقط ١-استنكر 2-اشجب 3-أدين”
نعود للطفل عمران الحلبي، الذي ملأت صورته قنوات الإعلام العالمية فضلاً عن الإقليمية، فها هي مذيعة قناة CNN الأميركية صارت تبكي بسبب الصورة! إلى أن تعاطف مع دموعها كل الناس، في التفاتة خاطفة لتغيير مشاعر المسلمين تجاه الغربيين بأنهم يتألمون وهذه دموع إنسانيتهم.
أما قناة سكاي نيوز الإخبارية عنونت الصورة: “عمران أبكى العالم لكن لم يبكِ!” ولكنهم لم يعرفوا لماذا لم يبكِ؟ لم يبكِ لأنه لم يعِ بعد حقارة الإنسانية التي وصلت بالعالم إلى حدِّ السكوت عن كلِّ الأطفال الذين لاقوا نفس المصير غير أنَّ الأنقاض غيبتهم عن الحياة.
بينما صحيفة الديلي ميل البريطانية كتبت مقالاً هاجمت فيه روسيا، بشأن مقتل عمران على الرغم من تواطؤ حكومة بالدها مع سياساتها.
هكذا هي سياسة الإعلام العالمي، تسلط الضوء على الأحداث التي تريدها فقط وتهمل البقية. في سورية في يوجد ألف عمران وألف إيلان، ولكن على ما يبدو أن هؤلاء الأطفال لا يخدمون مصالح الدول الكبرى، لذلك تراها كل فترة تجعل أحد الأشخاص منهم نجم الشاشات لأيام بسيطة، بعدها يشغلون الناس بأحداث أخرى وينسى الشهيد والمصاب والغريق.
إلى الأمم المتحدة وكل دول العالم: إنْ لم تستطيعوا إيقاف إجرام النظام في سوريا فالأفضل أن تصمتوا وتتركونا نخوض معركتنا لوحدنا.
في النهاية إنَّ مثل هؤلاء الأطفال، وهذه الصور تعري الأمم المتحدة والدول الكبرى من إنسانيتها، وتكشف الوجه الحقيقي لسياستهم القائمة على التعاطف الإعلامي ليس أكثر من ذلك، ودعونا نكون نحن أوعى من دموع مذيعة كادت أن تجبرنا على أن نصدق أنهم يحبوننا، وأنهم متعاطفون مع قضيتنا، على الرغم من معايشتنا للواقع أكثر منهم، ومعاينتنا لقتلانا الذين يسقطون كل يوم بأيديهم.