بقلم : رئيس التحريرهل رأيتم تلك الجموع التي تتزين بأسلحتها الملمعة الجديدة وثيابها العسكرية الأنيقة وتجلس في مقراتها ومتنزهاتها تلمع شعرها وتصففه، وتسبله وتنفشه بحسب الموضة؟ وهل سمعتم منها التغني بالنصر القادم من بعيد، ذلك النصر الذي سيكرمها الله به بعد طول معاناة من ألم الانتظار وألم الجلوس؟هذه هي البطالة عينها التي تنتظر الحصاد والثمر من دون أرض تحرث أو زرع يزرع! إنه انتظار مَن لا يأتي، واستحضار من لا يحضر، وموعد يشبه مواعد المراهقين مع محبوباتهم المتخيلة! وإنك تسمع من بعض أولئك المسترخين ” أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” و” إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا” فتدفعهم تلك الوعود البعيدة عنهم إلى التراخي في الطلب والفتور والتواكل، وإلى عدم إعداد العدة أو العمل على تحقيق صفات المؤمنين المستوجبة نصر الله، فلا يتعاملون مع الوعود الربانية كما يجب باعتبارها دوافع قوية ومحركات المشروع الإيماني، بل على العكس، فقد تم التعامل معها تعاملا رومانسيا حالما، فتحولت إلى جملة من الأماني الخادعة التي تؤلف فيها الأشعار الغارقة في سرياليتها والأناشيد المرقصة المدغدغة للعواطف المخدرة للمشاعر.إن وعد الله عباده المؤمنين بالنصر وتأكيده حتميته ووقوعه يدفع به أهل الحق إلى التمسك بمنهجهم مهما اشتد البلاء ومقارعة قوى الباطل مهما تجبرت وامتدت، وإلى النظر بالعين البصيرة بأمور الواقع وتغيراته التي تؤمن أن الحق ينتزع انتزاعا ولا يأتي عن طريق المهرجانات والاحتفالات الخطابية، وتدفعهم إلى الصبر في المحنة وإيمانهم أن النصر مع الابتلاء وأن مع العسر يسرا، أما التخيلات التي تحرر البلاد على الورق، وتعيد أمجاد الأجداد بالقرارات المختومة من الأمم المتحدة فمرفوضة عند أبناء المنهج السليم، لأن العمل هو الشرط الأول لأي مشروع يريد أن ينجح.فواضح أن غاية وعود الله سبحانه وتعالى هي العمل، لا الركون والانتظار، ولكي تمهد تلك الوعود طريق العمل تلقي الراحة النفسية في نفوس أهل الحق، وتعدهم بالغلبة على أعدائهم وتثبت قلوبهم، وتبعد عنهم كيد سحرة فراعين العصر الذين خيلوا إلى الناس أن الحق باطل والباطل حق، وأن النظام العالمي الجديد لا يريد إلا أن يهدينا سبيل الرشاد!وتزيل الوعود ما علق في الأذهان من آثار وجوب التبعية في المرحلة الراهنة وضرورة الخضوع والاستسلام لإرادة الإدارة الدولية التي تقودها قوى الشر وضرورة العمل فراشين في مكاتبها الوسخة، وإنها تحطم في النفوس هيبة تلك الأصنام البشرية التي صنعتها يد الشرعية الدولية في البلاد الإسلامية باسم الحكام وأولياء الأمر، فتزول بذلك الضغوطات عن أهل الإيمان ويفتح أمامهم طريق العمل، ويعطون القوة والدافع والنشاط.وثمَّ فارق كبير بين من يتيقن بموعود ربه ونصره، فيعمل لا يخشى في الله لومة لائم، مطمئنا في نفسه، واثقا بنصره وعلوه وتمكينه، متحررًا من نيره وأغلاله، وبين من يعيش على وعود أعداء الله وأتباعهم وأذيالهم وعلى فتات موائد العبيد، فيشعر بهول القوى المعادية وقوة سلطانها، ويستحضر في كل وقت إمكانياتهم وقواتهم وعتادهم، فيبلغ اليأس منه مبلغه، ويتحاكم إلى عجل أمريكا ومحاكمها الدولية ولا يتحرك إلا بإشارة، وإن انقطع عنه الدعم انقطعت معه أنفاسه.إن نصر الله آت، واقع ليس له دافع، وإننا نراه رؤيا العين مها طال البلاء واشتدت المحنة، ولكن من يمشي إليه ويعمل لتحقيقه؟!