بقلم : رئيس التحريرما أحزنَ الثمرةَ التي تمتدُّ إليها الأيادي قبلَ أن يحينَ قطافُها! وما أحزنَ الوردةَ التي تُقلع قبل أن ترى لونها وتشمَّ رائحتها! وما أضيعَ الثورةَ التي نطلب منها أن تتكلمَ وهي في المهد، وأن تُغيِّر الدنيا في خمسة أيام!لقد استطاعت الثورة السورية أنْ تفتحَ الطريق للفيضان الذي ظلَّ يضرب أعماقنا طويلًا، فإذا الحقُّ سيلٌ أتِيٌ، وإذا الباطلُ صحارى لا يُعرف أولها من آخرها، فتبيّن أنَّ الحربَ حرب الضعيف على القوي، حرب القليل على الكثير، وأنَّ الثورة استنزافية وتحتاج إلى وقتٍ طويلٍ قبل أن تخترقَ السدود وتهدم الحدود وتسقي ملايين العطشى الذين أنقض التعب ظهورهم، ولكنكم تستعجلون.فالأمة التي لم تجد من يأسوا كلومها، فشربت من شؤون عينيها كأسًا دهاقًا مئة سنة، ونُقعت في الوحل على مرأى أبنائها مئة سنة، ومرّت بمراحلَ عصيبةٍ بدءًا من إسقاط الخلافة العثمانية إلى تولي دهماء الناس شؤونها ومقدراتها تحتاج إلى سنواتٍ طويلةٍ لتستعيد وجهها المدفون في الرمال، ولكنكم تستعجلون.إنَّ الذين كسروا أول صنمٍ على الأرض السورية، وأعلنوا توحيدهم لله ليعلمون أنَّ الأهداف العظيمة تحتاج إلى تضحياتٍ كبيرةٍ وتأخذ وقتًا بحجم نتائجها، فلا بدَّ أن يكون هناك قراعٌ ونزال، وكلوم ودماء، ودموع وبلاء، ولا بدَّ أن يمتدَّ عمر الثورة ليستدَّ ساعدها، ولكنكم تستعجلون.راقبوا الوردة التي تلوّن أيامكم بالجمال، إنّها لم تصل إليكم إلا بعدَ رحلةٍ متعبة، فقد غطاها ثلج الشتاء وعضتها رياحه الباردة وغسلتها مياه أمطاره، ولكنّها وصلت إليكم، وإنَّ أمام ثورة الشام أشتية وصقيع، وسنّة الله تقول لا بدّ أن تطلع الوردة وينتصر الحق، ولكنكم تستعجلون.بعض محبي الموضة ظنّوا أنّ الثورة ديكورٌ جديد يزيّنون به منازلهم، وأنّها كلمةٌ سحرية قفزت من شفاه علاء الدين لتفتح مغاراتٍ محشوةً بالذهب والفضّة، فتخيّلوا أنّ سنةً واحدة في الثورة ستحول الأرض اليباب إلى مزارع قمح وسوقَ الجمعة والخردة إلى شركة وول مارت Wal-Mart وستقدم للفقراء الطحين والعسل، وستُحدث يوم عطلةٍ جديد ( للكشِّ والشوي). لم يعلموا أنّ الثورة دواء مرّ يحارب المرض المسكون في عظام الأمة، وأنها فكرة تعطي وتعمل وتضحي وتجاهد، وتَمُكُّ روحَها وتقدمها في سبيل ما تطمح إليه، وأنّها تحمل في جَعبتها آلامًا وأشوكًا وحقولًا من الياسمين وأيامًا بيضاء قادمة، ولكنكم تستعجلون.أيُّها الأخوة القراء..فلتعلموا وأنتم في السنة الخامسة من ثورتكم المباركة أن الباطل قد قُدَّ من حديد، فلا يولي الأدبار بسهولة، وأن الحقَّ لا ينتصر فقط لأنه الحق، وأن النصر قد يتأخر لحكمة يريدها الله تعالى، ولتتحقق سنته في أرضه، فيتميز أهل النفاق والخذلان من أهل الصدق والإيمان، وإنَّ لكم درسًا في الصبر والثبات تجدونه في سير الأنبياء، فكم نبيٍّ لبث في قومه مئات السنين يدعوهم فزمُّوا بأنوفهم مستكبرين! ولم يستجب له إلا القليل، لكنه لم ييأس ولم يعجَل، وهذا نبيُّ الله نوح ظلَّ يدعو إلى كلمة الحق ألف سنة إلا قليلًا )وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ( (40) هودفلا تستعجلوا ولا تقنطوا واطلبوا النصر ممن بيده النصر تنالوه.