عبيدة الصافي لم يكتفِ النظام السوري بتدمير منازل السوريين فقط، بل ومنعهم حتى من الوقوف على أطلالها والبكاء على أحجارها فما كان به إلّا أن أجبرهم على ترك منازلهم متّجهين إلى الشمال السوري (إدلب)، حيث كان أهالي إدلب بانتظار إخوانهم بالأرض والدّم والجهاد.قدِم إلى إدلب عددٌ كبير من الوافدين من مناطق عديدة، كانت لكل دفعةٍ منهم معوقاتٌ ومشاكل مختلفة فمنهم من أقام في غرف متنقلة (كرفانات)، أو في المدارس والمساجد ومنهم من أقام في مخيّمات كما هو حال الدّفعة الأخيرة التي قدمت من خان الشيح والتل حيث قامت هيئة ساعد بإقامة مخيّم بالتعاون مع منظّمة الأوتشا.ومن خلال جولتنا في المخيم الذي قطنه أهالي خان الشيح والتل وحديثنا معهم وجدنا لديهم بعض المشاكل والمعوقات من الناحية اللوجستية للمخيم مما تجعل حياتهم صعبة، ومن المشاكل التي يعانونها : عدم توفر المدافئ، ففي ظل هذا البرد القارس لا توجد أي وسيلةٍ للتدفئة، بالإضافة لذلك لا توجد أغطيةٌ كافية فلكل فردٍ غطاءٌ واحد لا يكفي لردّ البرد، وكذلك مشكلة الإضاءة ففي الخيام لا يوجد أي نوع من أنواع الأضواء كما أنه لا يوجد تيارٌ كهربائي ولو لساعاتٍ قليلة حتى يستطيعوا شحن الهواتف النقالة التي هي اليوم وسيلة التواصل الوحيدة. أما الخيام فوضعها جيدٌ إن كان وضع المناخ جيداً وأما إن تساقطت أمطار الخير كانت بالنسبة لهم مشكلةً كبيرة فبمجرد دخول مياه المطر إلى الخيام تخرِّبها ويصبح وضعها سيّء، وفي حال اشتدّت الرياح تصبح جدران الخيمة الهشة بالأرض.وبمقارنة بين هذه الدّفعة من الوافدين (خان الشيح والتل) وبين دفعة أخرى (داريا) على سبيل المثال نجد أن أوضاع تلك الدفعة كانت أفضل بكل المقاييس فقد كان السكن في غرف مجهزة من كل النواحي إذ تكون هذه الغرف حاميةً لهم من مياه المطر أو حتى من الرياح القاسية، أما من جهة الطعام فكانت الوجبات تُقدّم لهم بشكلٍ منتظم وبقدرٍ يكفي لكل شخص وسبل العيش موفرةٌ لهم بشكلٍ جيد أما إذا أردنا التحدث عن دفعةٍ أخرى (قدسيا والهامة) مثلاً فقد قطنت مركز إيواءٍ كان عبارةً عن بناءٍ بغرفٍ كثيرة يتوفر فيها التيار الكهربائي والأغطية الكافية. بعد كل تلك المشاكل والمعوقات التي يعاني منها سكان المخيّم كان لنا لقاءٌ مع مدير مكتب هيئة ساعد في الداخل السوري -المنظّمة المسؤولة عن المخيم-السيد فاتح عوض قال: بعد التحية لأهلنا الوافدين وتقديرنا واحترامنا لهم، نحن لا نستطيع تزويد الخيام بالمدافئ خوفاً من الحرائق خصوصاً أن الخيام مصنوعةٌ من مادةٍ قابلةٍ للاشتعال، وبالنسبة للأغطية قامت فرقنا بالتعاون مع عددٍ من المنظمات الإنسانيّة بتوزيع الأغطية على أهلنا الوافدين. وعن مشكلة التيار الكهربائي قال: يتمُّ تجهيز المخيّم بالمصابيح وتمديد التيار الكهربائي عبر مولدات الكهرباء أو مشروع الطاقة البديلة. وبما يخصُّ مشكلة الغذاء قال: في الأيام الأولى من قدوم الأهالي تمَّ تجهيز المخيّم بمطبخ طوارئ بشكلٍ سريع، واليوم يوجد في المخيم مطبخٌ جاهزٌ دائماً لتأمين الغذاء الصحي والكافي لسكان المخيم. ومن ناحية وضع الخيام قال الأستاذ عوض: عندما كان لنا شرفُ لقاء أهلنا الوافدين، لم نكن قد أنهينا العمل في المخيم بالشكل الكامل لكنّ الحاجة الماسّة لإيجاد مأوى جعلنا نستخدم المخيّم دون جهوزيته الكاملة، واليوم نحاول سدّ كل الثغرات في وضع الخيام، فقد تمَّ بناء جدارٍ حول كل خيمة لمنع دخول المياه في حال سقوط المطر، ونحن نسعى جاهدين وبكل طاقتنا كي نجعل هذا المخيم نموذجياً.وأضاف عوض: أخيراً يوجد شحٌ كبيرٌ في تقديم الدعم من قبل عددٍ كبيرٍ من المنظمات الإنسانية للمخيم ثم أنهى حديثه بتوجيه الشكر لكل من قدّم يد العون لهيئة ساعد في توفير متطلّبات المخيّم. كل التدابير التي أُخذت والتي ستؤخذ لن تكون كافيةً وكلها لن تجدي نفعاً، طالما أن مسلسل التهجير القسري والتغيير الديموغرافي مستمر، فنحن اليوم نشهد أبشع الجرائم بإبعاد الناس عن أوطانهم وأرض أجدادهم وآبائهم فهل يا تُرى سنشهد نهايةً لمسلسل التهجير القسري الذي بدأ من حمص ولا يزال مستمراً في دمشق مدينةً وريفاً؟