ليست نظرة قاسية ولا متحاملة، ما يجري في الولايات المتحدة اليوم، وما جرى في العالم في بدايات كورونا، يشرح بوضوح أن الحضارة الغربية لم تكن سوى رداء شفيفًا فرضته الحال الاقتصادية المترفة، وحالة تصدير النخب في الدراما والسينما والدعاية والإعلام.
أمّا حالة التوحش الإنساني فلم تغادر الغرب منذ القرون الوسطى، ومظاهر الحضارة كانت ولا تزال مجرد مظاهر يحميها القانون، ولولا سطوته النافذة، واستهلاك الإنسان في العمل، لربما رأينا مظاهر من الهمجية بشكل دائم.
ما أحكيه اليوم ليس استغلالاً لحالة مؤقتة، على العكس، فإن هذا الانتفاض الكبير من الشعب الأمريكي من أجل جريمة عنصرية بحق مواطن يدعو للفخر، ولكن طريقة الانتفاضة القاسية، والاستغلال الكبير لها من اللصوص والمخربين، يكشفون حالة القيم الإنسانية الهشة في الغرب عمومًا، القيم التي لا يحميها الرادع الداخلي بقدر ما يحميها القانون الذي بمجرد غيابه تسود الفوضى بشكل كبير، فالأخلاقيات في الفلسفة التي تقوم عليها فلسفة الحضرة الغربية مرتبطة بالمنفعة أكثر من ارتباطها بالقيمة الإنسانية، ويتم تداول هذه الأخلاقيات ضمن إطار النفع المشترك، وليس ضمن مبدأ الواجب الفردي الذي ينبعث من ذاته.
اقرأ أيضاً: نقد مفهوم المثالية
طبعًا نتحدث عن الحضارة هنا بوصفها قيم إنسانية راسخة، بعيدًا عن مظاهرها العمرانية، التي يستطيع الغرب إظهارها بوضوح وجلاء من خلال سيطرة المؤسسة وديناميكية المصالح المتشابكة.
يصعب الحديث عن هذا الموضوع بعجالة لأنه مليء بالتفاصيل، فسطوة القانون والامتثال له قيمة مهمة، وسطوة المؤسسة والإيمان بدورها قيمة مهمة أيضًا، ولكن مشكلة هذه القيم أن حواملها تغيب أحيانًا، وغيابها له تأثير واسع بقدر اتساع سيطرتها. أمّا جملة القيم التي تكون ذات منبع داخلي إيماني ويتم تمكينها عند الناس، فمن الصعب أن تغيب كحالة جماعية، ربما تحدث في حالات فردية واضحة، أو في حالة جماعات صغيرة لن تستطيع خلق التأثير الذي يهدم صورة المجتمع بشكل كامل، أو يطغى على الصورة الحضارية في فترات الأزمات كما يحدث حاليًا، فرَغم غياب المؤسسة والقانون في ثورات الربيع العربي مدّة طويلة، بل والانتشار المكثف للمجرمين ومخترقي القانون، ما زال المجتمع يحافظ على قيمه كمظاهر جلية في كل التحركات التي قام بها، ولم يظهر التوحش أو الهمجية إلا كحالات طارئة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي