كان يشعر بقلق شديد لا يتركه ولو للحظة واحدة، لقد جفاه النوم لعدة أيام وهو يفكر في حال البلد وما آلت إليه أحوال أهلها، راح يبحث بجد واهتمام عن طريقة ناجعة تعيد الهدوء والأمل إلى بلد مازال يغلي فوق مرجل من نار لم تهدأ منذ ثمان سنوات.
استعار جبة الشيطان ولبس عمامته الناصعة البياض وبدأ يكتب بعناية فائقة كلماته المعبرة، يصف واقع الحال بألم ومرار، ويدعم أقواله بالصور المؤثرة، وآيات القرآن الكريم.
لقد سبق له في خطابات كثيرة أن دعا إلى التسامح والغفران، وكثيرًا ما تكلم عن تقارب وحوار الأديان، لا شك أنكم عرفتم من هو المقصود بالكلام، إنه صاحب المقام، فضيلة المفتي العام، عفوا أيها السادة، هذه المرة أخطأ ظنكم لأن فضيلته مشغول بالعبادة! والفكرة الشيطانية هذه المرة جاءت بها وكالة إخبارية تريد لنا الراحة والسعادة! لكن ما محتوى الفكرة وما عنوانها؟ (تسامح ولا تنتقم)
هذا هو العنوان باختصار يثير المشاعر الطيبة ويؤجج الأفكار، وهل هناك أجمل من العفو والمسامحة؟!
هاشتاغ تصدر على مواقع التواصل الاجتماعي للتخيير بين التسامح أو الانتقام بعد سنوات عجاف دُمرت فيها سورية وماتت فيها الأحلام.
في أقل من دقيقتين رصد الفيديو معاناة جميع السوريين المختلفة، فمنهم من دُمرت منازلهم وهجروا من أوطانهم، ومنهم من استشهدوا تحت الأنقاض، ولم ينسَ المعتقلين المعذبين في أقبية الأسد، وفي النهاية دعا الفيديو الجميع للتسامح والغفران والمصالحة مع المجرم القاتل!
لمَ لا ولذة العفو تفوق آلاف المرات لذة الانتقام، لمَ لا نسامح وكل الأديان السماوية حضَّت على ذلك، حتى العادات الاجتماعية لدى جميع البشر وعلى مرّ العصور تدعو للصفح والمسامحة.
كما أن وثيقة حقوق الإنسان اعتبرت الصفح والتسامح هو الأساس في العدل والحرية والمساواة بين البشر.
والله تعالى في كتابه العزيز يقول: “فليعفوا وليصفحوا” ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!
بلى، نحب أن يغفر الله لنا، ومن منا يكره الصلح والغفران؟! لكن هل المسامحة تعني أن يبقى من سفك الدماء، وخنق الأطفال، وشرد العباد، ودمَّر البلاد، حرًّا طليقًا بلا مساءلة وبلا حساب؟!
التسامح لا يعني إفلات القاتل من العقاب، نعم، نحن نسامح ولا نرغب بالانتقام، لكن بالمقابل يجب أن يكون هناك قانون يتفق عليه السوريون جميعهم يُحاكم مجرمي الحرب في سورية تحت مظلة الوطن المكلوم، كل مجرم حرب يجب أن يحاسب مهما كانت طائفته أو ملته.
وإذا كانت وثيقة حقوق الإنسان قد اعتبرت أن التسامح هو أساس العدل، فإن قمة العدالة والمساواة والإنسانية تقتضي أن يحاسب الطغاة ويرفع الظلم عن المقهورين وإذا كان العدل أساس الملك، فإن عقاب الطغاة ومجرمي الحرب أساس لاستقامة منهج الحياة.