الربعُ ساعةٍ الأخيرة.. الصّورةُ الأولى

طلال صهيب إنطكلي

478

أذكرُ عندما كنتُ صغيرًا وقعتْ عيناي على كتابٍ عنوانُه: (صورٌ من الحياة)، نعم إنّ عيوني حينها – وإنْ كانت عيونَ طفلٍ- ولكنها كانت تقعُ على الخير، وبعد أن أبحرتُ في صفحات الكتاب شدّني الأسلوبُ الجميل والبساطةُ في التّناول؛ فلقد جمع لنا الكاتبُ في كتابه هذا مقالاتٍ كتبها بأسلوبِ الأديبِ المتمكّن، تلتقطُ كل مقالةٍ صورةً من واقعِ الحياةِ الاجتماعيّة التي يحياها، ومَن يتمعّن في تلكَ الصّور يدركُ أنّ كاتبها بعد أن انتقاها، محّصَ الحكمةَ مِن طرحِها، ثمّ سألَ نفسه سؤالًا، ما الّذي يمكن أن تفيدَ القارئ هذه الصّورة أو تلك؟

وحينما كان الجواب مفيدًا بدأ يخطّ معانيها على مَهَلٍ و يرسمُ ملامحَها، وكأنَ القلمَ تحوّلَ بين أنامله إلى ريشةٍ سحريّةٍ، يبدعُ بها لوحته المائة، إنّها الخبرة المُتراكبة البديعة.

نعم، لقد أغرتني التجربةُ أنْ أنقل صورًا من واقعي بالكلمات، وأخذتُ على نفسي أنْ أجتهدَ أنْ تمرّ على الفلاتر الثلاثةِ قبل أن تولدَ، الانتقاءُ، ثم ما الحكمة؟ ثم ما الفائدة؟ وعلى بركة الله أرسم الصورةَ الأولى، من ذاكرتي.

أحزاب شمال شرق سورية تحدد مطالبها من دول التطبيع مع الأسد

أتذكر نفسي في الامتحانات حين يخبرنا المراقبُ أنه بقيَت ربعُ ساعةٍ فقط للانتهاء، ثم يردفُ بنصيحةٍ (إذا كاتب على المسوّدة بيّضها) نعم، تشعر أنّ قلبكَ يدقُّ أسرعَ، زملاؤكَ يتسلّلونَ لِواذًا واحدًا واحدًا، لكَ أن تتلمّسَ ملامحَ وجوههم إن استطعتَ، هذا مبتسمٌ، وهذا مكفهرٌّ، وذاكَ متململٌ، وآخر متفائلٌ، وهكذا …

إنّني لا أتحدّثُ عن كلّ الامتحانات، إِنّه الامتحانُ الخاصُّ الّذي غابتْ عنك فيه نصفُ الأجوبةِ، أو ثلثُها، أو أكثرَ من ذلكَ أو أقلّ، نعم، الأسئلةُ أعيتْ جوابًا، أنتَ قضيتَ معظم الوقتِ وأنت تفكّرُ في اختراع إجاباتٍ، عساها تُنجيكَ من همّ الإعادة، وهذا بالضبط لأنّك لم تُحطِ علمًا بكلّ المقرر، لقد كنتَ – سامحني – كسولًا نوعًا ما، وانتقائيًّا، وعشوائيّا:، كنتَ مثلي تشبهُ معظم الطلاب.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

وبعد كل هذا العصف الذّهني، تقرّر في الربع ساعةٍ الأخيرة أن تكتبَ فحسب، سواءً أكانت الإجابات مقاربةً للصواب أم خاطئة، ولسانُ حالكَ يقول: إذا كتبتُ فلديّ احتمالان، أنْ أفوزَ ببعضِ الدّرجات بحكم قانون الصُّدفة الشهير، أو أخسر كلّ شيءٍ، وإذا لم أكتبْ فأنا أمامَ خيار واحدٍ هو الخسران.

نعم، وهذا تفكير منطقيٌّ للغاية، ولكن عزيزي الطالب، ألم يكن جديرًا بكَ وبي أن نبذل جهدًا في التّعلم يُغنينا عن هذا، ويضعنا بإذن الله أمام احتمال الفوز والإبداع!

حقيقةً علينا في عمليّة التعلّم أن نغيّر نوايانا أوّلًا وقبل كلّ شيءٍ، ثم نغيّر سلوكياتنا، ننقلها مِن الهزلِ والعبثيّة إلى الجِدِّ والتّنظيمِ والإحسان.

فيا عزيزي الطالب هلّا كنتَ صادقًا مع نفسكَ بالإجابةِ عن السؤال التالي: لماذا أتعلمُ أنا، وأقضي شطر عمري على مقاعد الدراسة أنمو وأكبرُ مع تدرّجي من الابتدائية إلى الثانوية والجامعة وربما الدّراسات العليا؟

إذا كان الجواب مثلًا: لأحصل على عملٍ بدخلٍ مادّيٍ جيد، لأؤمّن مستقبلي، أو لأحجزَ لنفسي مكانةً اجتماعيّة مرموقةً، أو لأن أهلي مثلًا يريدون ذلك، أو لأنّي لا أتقن إلا أن أكون طالبًا، وإلى ما هنالك من أسباب.

إذا كانت أجوبتك مثل هذه إذًا لديك مشكلة في النية؛ فالنّوايا الصّحيحة والهادفة، تكونُ مثل أنّي أتعلم ابتغاء مرضات الله وتثبيتًِا من نفسي.

وأتعلّم لأنّ الله تعالى قالَ للملائكة الكرام: (إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة) ثمّ وبعد انقضاء الحوار الإلهي مع الملائكة، قال تعالى: (وعلّم آدمَ الأسماءَ كلها)، لقد كان أوّلُ العهدِ لأبي البشريّة أن تولّى سبحانه تعليمَه بذاتِه العليّة، نعم، ونحن بنيه.

وأتعلّم لأنّ سبحانه أمرني بذلك حين كان أوّل التنزيلِ فعلُ أمرٍ (اقرأ) وأتعلّم لأن اللهَ أوحى لنبيّنا عليه السلام أن استزدني من العلم (وقل ربِّ زدني علمًا)، فدأبَ النبيّ عليه السّلام أن يستزيدَ ربّه علمًا ووجّهنا أن نستزيد.

وأتعلم لأن للمعرفةِ والعلم أنواعٌ: أولاها: العلم الذي عهدناه منذ الصغر، وأعلاها: معرفتنا التي بها أوصلنا إليه سبحانه فوهبنا العقل لنعيَ ونتعلم، وأكرمنا بالبصيرة لنتدبرَ ونفهم.، إِنّه حكيمٌ بعلمه، لطيف بحكمته وتدبيره سبحانه.

أخيرًا وليس آخرًا أتعلّم لأن الله جعلني في الأرض خليفةً، ولا يليقُ بمقام الخلافة عند اللهِ أن أكون جاهلًا وأنتظر الربع ساعةٍ الاخيرة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط