تعثر مؤخراً اجتماعٌ إقليمي بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بسبب تطبيع الدول العربية مع النظام السوري ومحاولة عواصم عربية حسب مصادر غربية ممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي للقبول بخطوات تطبيع مع النظام السوري إلا أن ممثل الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عكس بتصريحاته صلابة موقف هذه الدول حول التطبيع مع النظام السوري من خلال تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2254.
التوجه العربي الذي تقوده الإمارات والسعودية والجزائر لتعويم الأسد من خلال التكتل الأوروبي ليس بالمصادفة أو الخيار العبثي لأسباب مختلفة منها ما هو متعلق بسوريا وأخرى مرتبطة بالمجموعة العربية يناظرها ثغرات وأسباب عديدة من شأنها التأثير في الموقف الأوروبي الحالي فعلاً.
تتشاطأ الدول العربية والأوروبية حوض المتوسط في معظمه ومن بين هذه الدول سوريا وهو ما يمثل أهمية كبيرة للنظام السوري الذي يتقاسم مع شريحة واسعة من السوريين رغبة الوصول للدول الأوربية وبالطبع ليس كلاجىء و إنما للبدء في عملية التطبيع و إعادة بناء العلاقات التجارية فأوروبا كانت الشريك الأول لسورية من حيث الصادرات السورية قبيل اندلاع الثورة السورية، ومتنفس الصناعات ومصدر المواد الأولية والتقنية، وتدرك الدول العربية أن إعادة دوران عجلة الاقتصاد السوري تبدأ من التطبيع الأوربي مع الأسد فالدعم المالي له حدود.
اقرأ أيضاً كسر الحصار عن مخيم الركبان وإيصال أول دفعة من المساعدات
من ناحية أخرى لا تريد الدول العربية المواجهة المباشرة مع واشنطن دون تذليل العقبات تدريجياً، والأوروبيون هم الأكثر ملائمة لكسب موقفهم مستقبلاً عند بحث مسألة التطبيع وتعويم النظام السوري مع واشنطن وفي المحافل الدولية.
تستند الجامعة العربية في الدفع بمطالبها على الطاولة الأوربية إلى ما تملكه من أوراق الضغط الناعمة في الوقت الحالي، وأهمها التحكم بأسواق الطاقة من حيث السعر والإمدادات وما يريده الاتحاد الأوروبي اليوم هو استمرار سلاسل التوريد النفطية دون عقبات وتحديات في ظل ما تشهده من صعوبات عقب النزاع مع مزودها الرئيسي روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا وإن كانت هذه الورقة هي أثمن من أن تستخدم في خدمة النظام السوري إلا أنها واقع وممكنة.
من جهة أخرى تتعاون المنظومة العربية مع نظيرتها الأوروبية في مكافحة الهجرة والإرهاب لا سيما على السواحل العربية في القارة الأفريقية وضعف التنسيق والآليات الذي يمكن أن تخلفه التوترات بين الطرفين في المسائل الجماعية ينعكس سلباً على المنظومة الأوربية وهي مرتبطة بشق كبير بالوضع السوري الراهن.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
قد يصعب على المنظومة العربية تحقيق خرق فوري في القرار الأوروبي ولكنها ربما تحقق تغيراً ملموساً على صعيد التفاهمات الفردية مع دول الاتحاد على المدى البعيد انطلاقاً من مفهوم أن الدبلوماسية أداة حلول وليست وسيلة ضغط وقطيعة تماشياً مع مبدأ خطوة بخطوة والتماهي مع الواقع الذي فرضه النظام السوري على الأرض.
بالمقابل لم تعد المسألة السورية بالنسبة للاتحاد الأوروبي أزمة سياسية وإنسانية بل باتت تحدياً اجتماعياً وجيوسياسياً مرتبطاً بشكل أو بآخر بصراعها مع روسيا فالمنطق السياسي لا يمكنه قبول فرضية منح الهدوء والسلام للخصم على إحدى جبهاته في نفس الوقت الذي يحاربك هو على جبهة أخرى.
كما أن إعادة التطبيع مع النظام السوري تستوجب -حكماً-بحث مسألة العودة للاجئين السوريين في الدول الأوروبية وقد باتوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي لقوام تلك الدول بأُسرهم وإنجازاتهم وأعمالهم عدا عن قيام العديد من الدول الأوروبية بتنفيذ محاكمات تدين النظام السوري وتجرم أفعاله فكيف يقدم الاتحاد الأوروبي أو بعض دوله على تجاوز الأدبيات السياسية والإنسانية التي يتغنى بها ويحاسب من أجلها؟
يتوقف مسار التعاطي العربي مع الاتحاد الأوروبي ودوله حول مسألة التطبيع مع النظام السوري على مدى جدية الدول العربية وإجماع أعضائها على استخدام أوراق الضغط الممكنة وعلى درجة قبول الأوربيين لمقترحات الجامعة العربية وأولويات المصلحة الجماعية الأوربية فالتحديات الجماعية تحكمها قدرة الوصول لتوافق الإرادة المتباين بطبيعته وتحقيق مصلحة عامة لأعضاء الجماعة وهو ما ينطبق على كلا المنظومتين.