الأكثرية.. صمام أمان أم فتيل أزمة؟

د. نذير الحكيم

0 1٬733

 

د. نذير الحكيم

عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة

 

إن الضغط الدولي الذي يُمارس على الأكثرية السورية عن طريق تجاهلها سياسيًا، ودعم بعض من يدّعون تمثيل الأقليات في مواجهة الحاضنة الأساسية للوطن السوري، بالإضافة إلى جعلها مشكلة أمام الحل السياسي في سورية بسبب مطالبها المتعالية!! أو اتهامها بالوقوف إلى جانب الطاغية في دمشق، كل هذه الضغوطات تأخذنا إلى ساحة مواجهة غير تقليدية، يصبح فيها الشعب السوري أو ما يعادل أكثر من ثلثيه على أقل تقدير هو الجلاد والضحية، وهو الحل والمشكلة، وهو عدو المجتمع الدولي الذي يضعه دائمًا في مواجهة الأقليات، وصديقه المفترض عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الإقليمية أو الدولية التي تحتاج حشدًا شعبيًا أو عسكريًا.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

التعامل مع هذه الثنائيات يبدو صعبًا للغاية، خاصة عندما يبحث (الشركاء) المفترضون في الوطن عن مصالحهم الشخصية وإرضاء الداعمين والقوى الدولية، قبل أن يبحثوا عن المصلحة الوطنية وتعزيز أواصر التماسك الاجتماعي والوطني.

من السخف أن نتبنى كل ما يأتينا به الغرب من نظريات ونصوص دستورية وقانونية واستقواء خارجي، ونتجاهل قرونًا طويلة من التعايش المشترك، ومن الحالة الوطنية الكبيرة التي كانت تؤمنها الأكثرية للأقليات في سورية وفي المحيط العربي عمومًا لنتجه نحو مواجهات ترسخ القطيعة بين أبناء الشعب الواحد بحجة دعم الأقليات.

فاليوم يتم استقطاب شخصيات من مكونات أقلويّة وعشائرية ومناطقية وعقائدية من أجل تعزيز النزاعات المحلية، لا من أجل الوصول إلى حل شامل، وذلك من أجل أن يثبتوا للعالم بأن ما يجري في سورية هو حروب أهلية، ونزاعات داخلية تتقاسمها الأهواء المختلفة للتيارات السائدة، لا ثورة شعبية عارمة ومتحدة الأهداف تجاه الحرية والعدالة الاجتماعية، وإسقاط النظام.

ويجب أن يفهم أبناء الأقليات أن الأكثرية ليست عدوًا، وأنها لا تسعى للتغول على كل شيء في الوطن وفرض رؤيتها الخالصة دون النظر لمصالح جميع من يشتركون في عقد المواطنة، لكنها ترى حقوقها من المنظور ذاته الذي ترى به الأقليات حقوقها، وترى أن عليها حماية هذه الحقوق ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، بما يضمن الحفاظ على هويتها كأكثرية، كما تريد الأقليات الحفاظ على هويتها.

اقرأ أيضاً: الجيش الوطني يعلن مقتل مسؤول الاغتيالات في تنظيم داعش

لذلك لا يكون الحل باستفزاز الأكثرية والتعالي عليها والحط من شأنها والتعدي على حقوقها؛ لأن هذه الأفعال ستجعل الوطن في فوضى دائمة لا يمكن السيطرة عليها، إلا بقوة الحديد والنار، أي عن طريق إعادة انتاج الطغيان والاستبداد، إنما يكون الحل بالحوار الوطني الذي يضمن للجميع حقوقهم وفق مبدأ العدالة الاجتماعية المتساوية التي تتقاطع مع ثقافة جميع مكونات المجتمع السوري الأصلية، وليس مع قيم رغائبية دخيلة عليه من مجتمعات مع وراء البحار.

يجب التعامل مع الأكثرية على أنها حاضنة وصمام أمان ومرجعية، وإلَّا فإنها ربما تتحول إلى فتيل مشتعل على الدوام، يفجِّر الأزمات في وجه الجميع دون أن يستطيع أحد أن يفوز في النهاية، ربما فقط أعداء هذا الوطن.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط