منذ أن بدأت الحياة كانت هناك فوارق كبيرة بين المجتمعات فدائماً ما نرى في كل مدينة كبيرة كانت أو صغيرة طبقة غنية وأخرى تكاد تمسح ماءَ وجهها .
وفي حياتنا صور كثيرة تتمثل فيها الفوارق البشرية حاولت جاهدة أن أكتب عنها في الجزء الصغير الذي أعمل به.
كنت غالبًا ما أرى صندوق الطعام (اللانش بوكس) مليئًا بالصّندويش وبعض الفاكهة، هذا هو المعتاد في المدرسة ، أحيانًا أشتم رائحة (المجدرة) من مكاني بالقربِ من السّبورة، فأوقِن أنّ إحدى الطالبات قد أحضرت غدائها من (طبخةِ البيت) لتتقاسمه مع زميلاتها .
اقرأ أيضاً فيديو لحيوان غريب على الحدود العراقية السورية ما قصته؟
أما (صالحة ) وهي إحدى طالباتي كنت ألمحُها دومًا تخرجُ خمسين ليرة من حقيبتها، وتذهب بها في الفرصة إلى دكان الأكلات فتشتري بها كلّها، عددتُ لها منذ يومين سبع بسكويتات وست مثلجات وخمسة أكياس بطاطا أو تزيد.
حاولت في أكثر من موقف ألا تشتري بكل هذا المبلغ كيلا تسبب حرجاً لزميلاتها الفقيرات بل شجعتها على أن تتصدق بقسم منه لإحدى زميلاتها وشرحت لها أن هذا إسراف، والله لا يحبّ المسرفين.،ولكن عبثاً أحاول لا فناء لخمسينها!
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
في استراحة المدرسة أرى عاملة النظافةِ كلّ يوم تجمع بقايا الخبز الزائد من طعام الطالبات، وتضعهُ في كيسٍ خاص، ثم تجمع أكياس البطاطا والبسكويت الفارغة والكراتين وكل المهملات، وتضعه في كرتونة بالية، إنّها تفعل هذا باستمرار، همستُ في أذنها بلطفٍ: لماذا تفعلين هذا! ، فقالت: إننا في الشتاء نتدفأ بها، هذه وقودنا في البرد الشديد، أما الخبز اليابس فأجمعه وأبيعه، تخيلي أنّي بعتُه البارحة بخمسين ليرة، إنها مصروفٌ لعائلتي،فهل يستوي الذين يتدفؤون بالمازوت والحطب مع الذين يتدفؤون بالبقايا والنفايات، لا والله لايستوون.
في صورة أخرى لهذه الخمسين، لي زميلةٌ في المدرسة ما إن أجلس معها في الفرصة كي نجمع أنفاسنا في هذه الدقائق لنستعيد نشاطنا ،حتى تبدأ بالشكوى من ضيق ذات يدها فتقول: أجر زوجي ضئيلٌ جدًا إنّه يعمل طوال اليوم، ليتقاضى خمسين ليرة، تخيلي أنه عندما يمرض أو يكون متعباً ولا يحضر لنا شيئاً معه أشعر بقيمة هذه الخمسين على قلتها فهي تشبعنا الخبز على أي حال.
أتذكر أن هذا الشهر واحد وثلاثون يوماً وأنا في نهاية الشهر لم تبق معي إلا رحمة الله، نعم إنه راتب المعلمين ورثة الأنبياء والذين يتقاضون دراهم معدودة فأعزم أمري أن أختار طعام اليوم (طبخة بخمسين ليرة فقط) يا لصعوبة هذه المهمة!
في السوق أنظر إلى خمسيني اليتيمة ،لا أدري ما أفعل بها ،أحضرت بها خبزاً ولبناً ،فقد كان شهياً مع الشاي والزعتر..
وما تزال لهذه الخمسين قصص لاتُحكى وللخمسين بقية .