عندما تكتبُ عن غزّة بعد السّابع مِن أكتوبر وحتى اليوم تشعرُ أنّ الدنيا جميعًا تواجهكَ كإعصارٍ ينثرُكَ بعيدًا في الأجواء أو يكاد، حتّى أنك تظنّ أنّ الخوارزميات سُخِّرتْ لمنعكِ من الكتابة، وكأنهم يهمسون في أذُنك”ولو كتبتَ عنها فسنسعى ألّا يقرأكَ أحدٌ إلّا أنت”، ولكنّكَ تقاومُ كلّ شيءٍ، تتشبّه بالمحاربِ الغزّيّ من مسافةٍ صفرٍ، يتمتم همسًا للهِ العظيم: “وثبّتْ أقدامنا… وثبّت أقدامنا”، ربما عليكَ أنْ تهمسَ أنتَ مثلهم لله همسًا ودونَ الجهرِ من القولِ: “وثبّتْ أقلامنا… وثبّت أقلامنا” آمين
الصورة الأولى
من وحي قوله تعالى: “أفطالَ عليكم العهدُ”، نعم هذا استفهامٌ مؤلمٌ جدًا، فبعد طولِ الإجرامِ على غزّة وامتداده لأشهرٍ لا أحد يدري نهايةً لها إلا الله، تشعر أننا ابتعدنا عنها شيئًا فشيئًا، واعتدنا على آلامها فلم نعد نهتم أو نتأثر أو نتألم كما كنّا أو ندعو في القنوت أو السجود أو نكتب أو حتّى أضعفُ الإيمان ننكر في قلوبنا إلا دائمًا مَن رحم ربي.
ونحن نحاول أبدًا أن نكونَ ضمن “إلّا”…
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
الصورة الثانية
لأربعةِ شبّانٍ يحثّون الخُطا في البحثِ عن منازلهم أو آثارها إن بقيَت، هنا خان يونس جنوبي قطاع غزة، تظهر الصّور التي وثّقتها عدسة المجرم ذاته الشّبان الأربعة وهم يسيرون وسط ركامٍ من قصفٍ ماضٍ وحاضرٍ ومستمر خلّفته طائرات الاحتلال، وعلى طريقٍ يئنُّ ويكادُ يخسِف من كثرةِ دبّابات وآليّات العدوّ التي وطأته كُرهًا جيئةً وذهابًا، الطائرة تترصّدهم، واضحٌ أنهم مدنيّونَ لا قسّاميونَ حتمًا، الصاروخ الأول يستهدفهم بشكلٍ مباشرٍ حدّ العجبِ، يستشهدُ مباشرةً منهم اثنين بعد أن تتناثر أجسادُهم الطاهرة في كل فضاء، الاثنان الآخرَان نجَوَا، وأسرعا، هما لا يعرفان أنهما نجوَا فقط لدقائق أخرى معدودات، تطلق الطائرة صاروخًا على أحدهم فيستشهدُ على عجلٍ متناثرًا جسده كذلك، ثم صاروخًا آخر على الأخير، فيطير أو بالأدقِ تطير أجزاءُ جسده كلٌ على حدة.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذر: 12.9 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا
هل سمعتَ يا قارئي بالمثلِ القائل “لقد أصبحوا أثرًا بعد عينٍ”، إن كنتَ سمعته فإنك الآن تراه في غزة، لقد حوّلت المسيّرة”الإسرائيليّة” الشبان إلى أثرٍ أو حتى بقايا أثرٍ بعد عين.
الصورة الثالثة
تشبه “الفسيلة” التي تمثّل قمة الأمل، تلكَ الفسيلة التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغرسها بالأرض ولو قامت القيامة على غارسها، وكذلك هم رجال المقاومة الغزّية والقسّاميون في طليعتهم، يقاتلون في سبيل الله فوق كلّ ذرة ترابٍ فيقتلون ويقتلون ويقتلون…
إنهم يشبهونَ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ الكبرى، أولئك الّذين استغاثوا ربهم فاستجاب لهم: “أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفينَ، وما جعله اللهُ إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النّصر إلا من عند الله، إنّ اللهَ عزيز حكيم” … رُفعت الأقلام وجفّت الصحف