علي سندة
“أجرينا استخارة وتبيَّن أن الأمر غير مريح، وآخر يقول: البارحة نمت ورأيت كوابيس لذلك غير موافق على الخطوبة”.. إلخ من فنون الاستخارة وأحوال المستخيرين وأقوالهم وأحلامهم وحوادثهم، فهل الاستخارة تكون بهذه الطريقة؟ وبمعنى آخر هل الاستخارة كن فيكون أو لها علامات إيجابية قبل العمل إن حدثت أكمل المستخير حاجته، أو علامات سلبية قبل العمل إن حدثت أحجم المستخير عن حاجته؟
أولًا- الاستخارة لغةً هي طلب المساعدة أو الاستعطاف، أمّا اصطلاحًا فهي أن نطلبَ من الله أن يمُنَّ علينا بالخيرة والصّلاح في شيء ما نُريده بشدّةٍ في أمور الحياة العامّة، سواءً كان عملاً أم زواجًا أو إقدامًا على أيِّ فعلٍ جديدٍ.
ثانيًا-الاستخارة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ، (وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ )، وَفِي رواية (ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ).”
ثالثًا-يعتقد الكثير من الناس أن الاستخارة مخصصة لأمر بعينه خاصة للزواج، وهذا أمر غير صحيح، إذ إن الاستخارة متاحة لأي أمر يعتقد فيه المؤمن أنه مهم بالنسبة إليه، فيستخير الله به مسلمًا أمره له وحده، كالدراسة، أو شراء سيارة.. إلخ.
اليونسيف توقع اتفاقية مع جامعة تركية يستفيد منها 12 ألف معلم سوري
رابعًا- هل للاستخارة علامات؟ هنا منبع الفهم الخاطئ للاستخارة، إذ إن بعض الناس يوكل من يستخير له لأنه لا يعرف ، ثم يأتي الموكَّل بالاستخارة، وربما يكون مساء قد أكل وأثقل على معدته ورأى شياطين الإنس والجن والكوابيس، فيقول لصاحب الاستخارة الأمر لا خير فيه ولا مصلحة لديك بالأمر الفلاني لأني مضر بك، والعكس صحيح، إذا كان المستخير نفسه هو من يستخير، إذ عندهم الاستخارة مرتبطة بالمنام.
إن الاستخارة هي تسليم الأمر كله لله، ولا علاقة لها بالمنامات أو الحوادث، وعلى الإنسان حين يستخير أن يقوم بالعمل الذي استخار لأجله لا أن ينتظر المنامات وحوادث الأيام، لقوله تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” وهنا رب العالمين ييسر على العبد غايته، أو تُخلَق أسباب بمشيئة الله وحده تجعله يتراجع عمَّا بدأه، وهكذا تكون الاستخارة بتسليم الأمر لله ثم العمل لا انتظار المنامات، وكما أن الاستمرار في الأمر الذي استخار فيه المؤمن ربه فيه الخير فالتراجع فيه الخير أيضًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: “عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ.” والحمد لله رب العالمين.