المواجهة الثقافية بنصف هوية ونصف انتماء

أحمد وديع العبسي

0 2٬787

ندرك جميعًا حجم الضغط الثقافي الذي بدأنا نعاني منه مع دخول الكثير من المفاهيم الجديدة المعولمة إلى ثقافتنا وحضارتنا، هذه المفاهيم محمولة على مشاريع ومصطلحات تكاد تكون الشغل الشاغل للناس في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، والتجمعات الكبرى للسوريين خارج البلاد.

المساواة والنسوية والجندر وأخيرًا المثلية هي أبرز المصطلحات التي يتم حشرها وتداولها في ثقافتنا بقوة المال والمساعدات والمشاريع وتشغيل الشباب والنساء وجميع الأساليب الممكنة.

طبعًا في العادة لا يتم تقديم هذه المفاهيم بفجاجة مطلقة، إنما بطرق وأساليب تُظهر فقط الجوانب الإيجابية فيها، التي يمكن أن تكون مقبولة في مجتمعاتنا، وتجعل الجوانب الأخرى تحصيل حاصل لمن يؤمنون بهذه المفاهيم.

لا أريد إعادة شرح هذا الأمر الذي شرحته في مقالة سابقة، لكن أريد التركيز على آليات المواجهة، آليات مواجهة حضارة غازية قوية، ببقايا حضارية وثقافية غير مفهومة عند أبنائها، وفي الوقت نفسه لا تشكل هويتهم الكاملة ولا انتماءهم العميق إلا نظريًا، وبالتالي تبدأ حجج المواجهة بالسقوط في المجالات التطبيقية، مقابل هجمات نظريّة مدعومة إعلاميًا بشكل جيد.

فنحن على سبيل المثال نتبنى الكثير ممَّا عند الغرب عن المرأة دون أن نشعر، ثم نريد أن نواجه النسوية، فنقدِّر المرأة العاملة أكثر من الأم، ونريد أن نقول للمرأة نحن ندعم خيارك بالأمومة!! كيف يمكن أن نكون داعمين لهذا الخيار ونحن ننظر إلى المرأة ربة المنزل أو الأم بعين غربيّة لا تقدِّرها، بل وتمتهنها، وتُشعرها أنها دون المرأة العاملة المثقفة التي تستطيع مجالسة الرجال وأن تكون فاعلة في المجتمع؟!!

جامعة حلب تستعد لإطلاق المؤتمر العلمي الأول برعاية مؤسسة مداد

نحن ننظر للكثير من الأمور التي ندعو لتصحيحها بعين الثقافة الغربية، نحن متأثرون للنخاع بتلك الثقافة الغازية، ولن نستطيع مواجهتها مالم نعيد إحياء ثقافتنا على شكل سلوك حقيقي وفاعل، بعيدًا عن عبارات الترضية التي نطلقها هنا وهناك دون فاعلية حقيقية ودون احترام حقيقي.

إن إعلامنا وأخلاقنا ومعاييرنا لتقدير النساء على سبيل المثال مليئة بما شربناه من ثقافة لا تشبهنا على الإطلاق، والمرأة متأثرة بمحيطها ومجتمعها الذي لا ترى فيه تطبيقًا لمقولاته النظرية، لذلك تسعى وراء ما يرعاه المجتمع والدعاية في السلوك لا في النظرية فقط.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

الكثير من الأمور نواجهها بشكل مشابه، لذلك من الصعب جدًا أن نحقق تغييرًا وانتصارًا وإحياء لتلك الثقافة والحضارة التي نطمح إليها، ونحن نحمل فقط نصف هويتها ونصف انتماء لها،

نحتاج أن نراجع سلوكنا، عاداتنا، تقاليدنا، والكثير من أساليب الإعلام والدعاية والتقدير والاحترام لدينا، حتى نستعيد وجودنا الحضاري الحقيقي ونستعيد الثقافة والهوية التي ننتمي إليها.

 

المدير العام | أحمد وديع العبسي

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط