منذ فترة غير قصيرة بدأت مجموعة من الأحزاب بالتشكل في الفضاء السوري المعارض، كما عادت مجموعة أخرى من الأحزاب الساكنة لتفعِّل نفسها من جديد لتمارس السياسية في البيئات الجديدة.
طبعًا، وبلا شك، فإن تشكل الأحزاب السياسية هي حالة صحية، تدل على مساحات من الحرية والقدرة على الاختلاف وتبادل الآراء ووجهات النظر، كما أنها تُنظم الفعل السياسي ضمن أطره الاعتيادية، وتؤسِّس لخطوة أولى في الطريق الصحيح للتنافس على السلطة في سورية المستقبل عبر الانتخابات وضمن أجسام عاشت تجربة الهيكلة والتنظيم، وربما تدربت كوادرها بشكل جيد على ملفات إدارة الدولة والعمل السياسي الرصين.
ولكن هل تؤدي الأحزاب اليوم ما تمّ تأسيسها من أجله، وهي قادرة حقيقة على المشاركة في فعل سياسي سوري حقيقي، أم أن الأمر برمته أصبح رهين الأجندة الدولية ومصالحها المتشابكة في المنطقة؟!
المحتوى السلبي في البيئة المضطربة
على الأقل حتى هذا اليوم لا تبدو الأحزاب إلا ترفًا لمثقفين سياسيين أرادوا صياغة أفكارهم وبلورتها كرؤية إستراتيجية في أدبيات تشكيل سياسي، أرادوه كحزب أو تيار مجتمعي يعطي تلك الأفكار قيمة، ويخلق انتماءً لها بين أفراد الشعب السوري، وفي أحسن الأحوال مؤسسة تدريبية متخصصة بالشأن السياسي تحاول جلب المنضمين الجدد من خلال التدريبات التي تقدمها، والبيانات الثورية التي تطلقها في كل مناسبة سياسية لتعلن موقفًا منها لا يسمعه إلا أنصار هذا الحزب أو ذاك وقلة من متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يبدو أن المجتمع الدولي اليوم يهتم بوجود الأحزاب، لأنها مهما تضخمت في هذه الفترة فلن تصل إلى نسبة تمثيلية كبيرة تجبره على الاستماع لها، فالسوريون لديهم ما يشغلهم في مأساتهم أكثر من السياسة، والمجتمع الدولي لديه من يسمعه ممَّن يمثلون مصالح الدول في سورية، وهي الفاعل الحقيقي في المسألة السورية في الوقت الراهن.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
ومع ذلك يبقى وجود الأحزاب صحيًا ومطلوبًا، على الأقل كمؤشر للتعددية السياسية التي نريدها في مستقبل البلاد والسلطة، أو كحالة وعي من السياسيين إلى ضرورة انتظامهم في أجسام سياسية لها تجربتها وتاريخها المسجل إذا أرادوا المنافسة على حكم البلاد بطريقة شرعية بعيدة عن الاستقواء الخارجي، أو الاستبداد المدعوم بالقوة داخليًا.
لكن لا بدّ أن هناك طرق أخرى تجعل وجود هذه الأحزاب ذات قيمة فاعلة في حياة السوريين وفي قضيتهم، سواء من خلال حراك حزبي أكثر مباشرةً، أو من خلال مؤسسات حركية تحتضن مبادئ الحزب السياسي وتؤسس حاضنته، وهذا ما سنركز عليه في المقال القادم.