الانسحابات الأمريكية من الشرق الأوسط وخيارات الوكلاء

علاء العلي

علاء العلي

أثار الانسحاب الأمريكي وحلف الناتو من أفغانستان مؤخرًا قلق الكثيرين من حلفاء أمريكا في العالم والشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي بشكل رئيس، فالانسحاب الذي سبقه ماراتون تفاوضي شاق مع حركة طالبان انتهى باتفاق يقضي بموجبه انسحاب مؤطر زمنيًا بموعد مُحدد للقوات الأمريكية الغازية لأفغانستان، وتستعيد على إثره الحركة سيطرتها السابقة في هذا البلد.

التبرير الأمريكي حينها بعدم الجدوى من البقاء والتكلفة الباهظة للحرب هناك بشريًا وماديًا هو خطة إستراتيجية أمريكية جديدة، تقوم على مبدأ التموضعات العسكرية المفيدة التي تعود بالمنفعة دون توترات، واللجوء للوكالات في مناطق الصراع التي تنتشر فيها هذه القوات، مثل ميلشيا قسد شرقي الفرات، التي تؤمّن من خلالها السيطرة على منابع النفط والغاز وعلى السلة الغذائية هناك، مستفيدة من دمج هذه القوات التي تستفيد معها ضمن شراكة مرتبطة بوجود خطر الجماعات الإسلامية في البادية السورية كما تتذرع به واشنطن دائمًا.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

تلك الحجج لا تقنع موسكو التي تتطلع للوصول إلى هذه الثروات باستمالة قسد نحوها وزيادة التشبيكات السياسية مع النظام السوري وإطلاق حوارات بنَّاءة تتسلل من خلالها نحو المنابع، وتخلخل العلاقة بينها وبين قوات التحالف الدولي الداعم الرئيس.

تشكّل الانسحابات الأمريكية مبعث قلق حقيقي لقسد التي ستوضع في حال الانسحاب بين مطارق تنظيم داعش والقوات العسكرية المعارضة الحليفة لتركيا، إضافة إلى قوات تركية منتشرة بالقرب منها، وسندان الروس والإيرانيين والنظام الطامعين بإحداث حلحلة اقتصادية تعصف بمناطق سيطرته وتحقيق عقود نفطية بعيدة الأمد، لا تملك قسد حينها سوى الانسحاب من الجزيرة العربية بعد غياب الدعم والإسناد الجوي لقطعاتها المنتشرة، وحالة الاستعداء الشديدة للعشائر العربية التي أُقصيت من الاندماج والقيادة في تشكيلاتها السياسية والعسكرية.

اقرأ أيضاً: خط الغاز العربي.. انفراجة للأسد واختبار للروس

وضع الخليج العربي الذي يواجه تحديات قاسية للغاية ليس بأفضل من ميلشيا قسد، فالحالة القسدية تُعمم في الخليج بشراكات أمريكية مع أنظمة حكم، إذ إن الشراكات الإستراتيجية مبنية هناك على مبدأ النفط مقابل الحماية من التهديدات الإيرانية شبه اليومية، والتوترات المتصاعدة باتت تشكل مبعث قلق أمريكي، وتشير التسريبات إلى الرغبة في النأي بالنفس عنها وفقًا لصحيفة الفورين بوليسي الأمريكية، وهذا ما جعل الأطراف الخليجية تُعيد بناء قواعد العلاقات الدولية والإقليمية وحتى الجوار بشكل جديد يتماشى مع الأخطار المحدقة.

احتمالية الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الشرق على الطريقة الأفغانية شكل هاجسًا لدى زعماء الخليج الذين باتوا يبحثون عن حلفاء جدد كتركيا المتفوقة في المنطقة لإحداث بديل قوي في الخليج رادع للرغبة الإيرانية في توسعة النفوذ، وهذا ما وجدناه في زيارة الوفود الإماراتية لها بعد أن كانت تناصبها العداء، بل موَّلت حركات تهز استقرارها يومًا ما مقابل عقود اقتصادية واستثمارات ضخمة تفاجأت بها الحكومة التركية.

 

لا يجب أن ننسى أن ضغطًا أمريكيًا واضحًا على قسد لتقديم العشائر كقوة عربية فاعلة في قوات سورية الديمقراطية، وهذا يشير بلا شك إلى أن السياسة الأمريكية تميل لتخفيف الوجود في سورية وضمان بقاء شركائها الكرد بتحقيق اندماج مع العرب في حال الانسحاب من شرق الفرات، لكن على ما يبدو لا تقدم الإدارة الذاتية أي خطوات ملموسة بهذا الاتجاه حتى اللحظة، بل تعول على قنوات اتصال بديلة مع الروس لتأمين حلحلة بمناطقهم تفضي لتشاركية خارج نطاق التحالف الدولي.

أفغانستانالانسحاب الأمريكيالشرق الأوسطصحيفة حبرعمار العلي