احتجاجات وغضب عارمٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، كثير من الأحداث المشتعلة يشهدها طلاب الجامعات في إدلب، معتبرين أن القرارات التي تتخذها رئاسة الجامعة باتت تشكل عوائقاً وصعوباتٍ لديهم، كما يستنكرون تصرفاتٍ تبدر من مسؤولي الجامعة.
يُعد الارتفاع الفاحش في نسب الرسوب أمراً غير مألوف ومستنكر من قِبل الطلاب ، إذ انخفضت نسبة النجاح لبعض المواد في كلية الطب التابعة لجامعة إدلب الى ١٦٪ بحسب ملفات نشرها مسؤولو القسم، كذلك الأمر بالنسبة لكلية الآداب قسم اللغة الانكليزية والتي وصلت فيها نسبة نجاح في مادة القراءة والاستيعاب ١٧٪ كما تكررت الحادثة في قسم اللغة العربية إذ انخفضت نسبة النجاح إلى ١٣٪ في مادة المكتبة العربية، وقد أثارت هذه النتائج سخط الطلاب وغضبهم.
تعتبِر “فاتن صوص” الطالبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في قسم التاريخ أنَّ رفع درجة النجاح للكليات النظرية إلى 60٪ هو أمر غير مقبول، وبرأيها فإنه من غير العادل تفشيل الطالب الذي قد حصل على علامة ٥٧٪ أو ٥٦٪ ليكون راسباً يعيد دراسة المادة مرة أخرى في ظروفنا الراهنة، كما تؤكد فاتن أن الجامعة تتجاهل تماماً المأساة النفسية التي أصابت الطلاب بعد الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة، إذ تعتبر أن نسبة الرسوب ارتفعت بشكلٍ ملحوظٍ بعد كارثة الزلزال إذ لم يُراعَ طلاب إدلب بعدها، كما أن مستوى الأسئلة بات معقداً أكثر من السنوات السابقة.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب
وقد بُررت هذه النتائج من قِبل محاضري جامعة إدلب؛ إذ يعتبر رئيس قسم اللغة الانكليزية السابق الدكتور عبد الحميد عبد القادر أن أسباب ارتفاع نسب الرسوب في جامعة إدلب يعود بالأساس إلى قلة دوام الطلاب كما أضاف “ارتفاع درجة النجاح هي لصالح الطالب إذ أن الجامعة تريد الجودة وليس الكم وسوق العمل أيضاً يتطلب الجودة وليس الكم”
وهذا ما أيَّده زميله الدكتور محمد العبد الله إذ قال أن ارتفاع درجة النجاح هي بشرى خير ودلالة على جودة التعليم في جامعة إدلب، وبرأيه فإنه من الطبيعي كلما ارتفعت درجة النجاح فعلى الطالب أن يبذل جهوداً مضاعفة، وأفاد محمد العبدالله أن هناك بعض المحاضرين يلمّحون إلى طريقة الأسئلة بينما هناك آخرون يفاجئون الطلاب بها ليقيس المدرّس مستويات الطلاب ويُميّز الطالب الذي درس فقط وقت الامتحان من الطالب الذي يدرس منذ بداية العام.
اقرأ أيضاً: لجنة الشكاوى في أعزاز..صدى لمطالب المدنيين وجسر لحل مشاكلهم
بينما أشارت الخريجة “م.ج” إحدى مسؤولات اتحاد الطلبة أن أعداد الطلبة الهائل في جامعة إدلب دفع الرئاسة إلى إصدار قراراتٍ جديدة تهدف إلى تخريج النخب والنخب فقط، كما أشارت إلى أنه في بداية افتتاح الكليات في إدلب هدفت رئاسة الجامعة إلى استقطاب الطلاب وتيسير أمورهم وتخفيض مستوى الأسئلة والمفاضلات، بينما تغير مجرى الأحداث منذ بداية عام ٢٠٢٠ مع تضخُّم أعداد الطلاب بشكل كبير.
أنكر رئيس جامعة إدلب الدكتور أحمد أبو حجر ذلك إذ أكد لصحيفة حبر بأن عدد الطلاب لا يشكل سبباً حقيقياً في رفع المعدلات، إنما هو قرار أكاديميّ، وأشار أبو حجر أنه لا يمكن القول بأن قرار رفع نسبة النجاح للكليات النظرية هو أمراً غير عادل بل باعتباره فإن هذا القرار قد حقق المساواة بين كافة الكليات والمعاهد إذ تساوت درجة نجاح الكليات النظرية مع درجة نجاح الكليات التطبيقية والعلمية.
وعلى خلاف ما قاله أبو حجر عن المساواة بين الكليّات فقد أفادت “حلا اسليم” الخريجة من معهد تقنيات الحاسوب أن درجة العملي في بعض الكليات والمعاهد التطبيقية تختلف عن علامة العملي للكليات النظرية، مستشهدةً بأن علامة العملي في معهد تقنيات الحاسوب ٤٠/٤٠ بخلاف طالب الكليات النظرية الذي تقتصر علامته العملي على ٣٠
إضافةً إلى أن درجة العملي في بعض الكليات مثل كلية الهندسة المعمارية تصل إلى ٨٠٪، مما يجعل هذه المقارنة بحد ذاتها غير منطقية ومثيرة للجدل.
لم ينسَ طلاب المحرر قضية الثورة السورية، ولم تقتصر مطالباتهم على قراراتٍ تخدم مسيرتهم الدراسية فقط، بل تطرقت فاتن إلى مشكلة تواجه طلاب جامعة إدلب وعلى حدا قولها فإن هذه الظاهرة جعلتها تستاء كما وصفتها بالمسيئة إلى طلاب المحرر وهي توظيف خريجي النظام السوري في جامعاتِ إدلب أو قبول توظيفهم بالرغم من إقامة ذويهم في مناطق النظام، ليست فاتن وحدها من استنكر هذه الظاهرة واعتبرها طعنةً في صدر الثورة، بل خرج طلاب جامعة إدلب يوم الأحد في تاريخ ٣٠-٧-٢٠٢٢ في وقفةٍ احتجاجيّة أمام رئاسة جامعة إدلب مطالبينَ بإقالةِ كل مُحاضرٍ تخرج من جامعات النظام بعد عام ٢٠١٦.
ثم إن الشعلة التي ألهبت غضب الطلاب هو فيديو تكريم لابنة عميد كلية الهندسة المعمارية “مها الحسين” ابنة الدكتور: “عبد الرزاق حسين” والتي تخرجت من جامعة إيبلا في حلب تحت سيطرة النظام، اعتبر طلاب جامعة إدلب أنَّ تكريم “مها” من قِبل رئيس جامعة إدلب “د. أحمد أبو حجر” هي إهانة واستخفاف بطلاب جامعات المحرر، إذ طالبوا بإقالته أيضاً خلال احتجاجهم.
وهذا بحسب قرار رئاسة الجامعة رقم 532 الذي ينص على ضرورة عدم قبول خريجي ما بعد عام ٢٠١٦ من جامعات مناطق سيطرة النظام.
لم تنتهِ منغّصات طلاب جامعة إدلب عند هذا الحد برأي طلاب كلية الطب البشري، إذ لم تُراعِ جامعة إدلب الطلاب المرابطين في مناطق التماس مع النظام السوري، إذ يُحرم كثير من هؤلاء المرابطين من التقدمِ للامتحانات النظرية بسبب اضطرارهم على التزام ثغورهم في الوقت المحدد لحضور المحاضرات العملية، وقد أثار هذا غضبهم وسخطهم دون إجراء أي استثناء لهم حتى الآن، إذ أقدم هؤلاء الطلاب على رفع طلب لرئيس جامعة إدلب الدكتور أحمد أبو حجر لإصدار استنثاء لهم ولكن دون جدوى.
لهبة الفرخ الطالبة في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية رأي مختلف بالنسبة لانخفاض نسب النجاح فالسبب كما قالت هبة يعود إلى تغيير نماذج الأسئلة في معظم المواد واعتماد نماذجَ تعتمد على الحفظ الحرفيّ أكثر من الفهم، وهذا أمر يصعب تنفيذه بالنسبة لمناهج الجامعة الضخمة، وهذا ما أكدته فاتن صوص أيضاً والتي أكدت بأن الحفظ الحرفي بات الطريق الوحيد الذي يحقق النجاح في جامعة إدلب، أضافت هبة بأن هناك مزاجية لدى بعض محاضري جامعة إدلب بتحديد نسب نجاح مسبقة والحديث عنها مسبقاً، وهذا لا يخفى عن طلبة الجامعة، أما “ن.س” الطالبة في كلية الآداب قسم اللغة العربية فقد دعمت فكرة هبة متحدثة لفوكس حلب أن أحد دكاترة قسمها لم يسجل لها حضوراً كاملاً على الرغم من التزامها بالدوام كاملاً، على عكس تسجيله حضوراً كاملاً لزميلتها التي لم تتمكن من الحضور زاعماً أنها حاصلة على إذن من عميد الكلية.
كذلك الحال عند “صفيّة عيد” التي أبدت أيضاً استياءها من نسب الرسوب التي اعتبرتها غير مسبوقة، تطالب صفية رئاسة الجامعة بأخذ جهود الطلبة على مبدأ الجد وإصدار قرار بشأن الترفّع الإدراي وإعادة النظر بشأن مستوى الأسئلة ونسبة درجة النجاح، وأضافت صفيّة بأن هذه القرارات هي تصعيبات فحسب، مشيرةً إلى أنه من الأولى برئاسة الجامعة ترك التصعيبات وتخفيف أقساط الطلاب ورسومهم الكثيرة بل والنظر بأمر خريجي النظام وطردهم خارج أسوار جامعات المحرر.
كما أضافت أن الطالب الذي يُقدم اعتراضاً على نتيجته لا يُعاد تصحيح أوراقه أبداً ، بل يدفع رسوماً مقابل جمع علاماتِ الأسئلة المُصححة فحسب، وهذا ما أكده الدكتور أحمد أبو حجر إذ قال أنه بإمكان الطالب الاعتراض على نتيجته بعد أسبوعين من صدورها، ولكن من غير الممكن إعادة تصحيح ورقة أي طالب، حيث يتم التأكد من أن المصحح صحح كل الأسئلة ثم يتم جمع علاماته فقط، وأضاف أن الرسوم المترتبة على المعترض هي رسوم بسيطة لا تتجاوز ١٥ ليرة تُعاد للطالب في حال كان هناك خطأ ما في جمع علاماته.
كان رأي “محمد الخالدي” مشابهاً لرأي غيره من الطلاب حيث أعرب محمد عن غضبه من تكريم ابنة عميد كلية الهندسة الذي قال بأن احتجاج يوم الأحد الموافق ٣٠/٧/٢٠٢٣ كان من أجل المطالبة بترفّع إداري ولكن حادثة تكريم “مها الحسين” جعلتهم ينسون مطلبهم ويطالبون بطرد خريجي النظام أولاً، كما اعتبر محمد أن هذه التصرفات هي “صبّ الزيت على النار” بالنسبة لطلاب المحرر، إذ أنها زادت من غضبهم واستيائهم من التصعيبات التي تُمارس على طلاب المحرر في السنوات الأخيرة بينما اليوم تُمهّد الطرقات والوظائف لخريجي النظام من قِبل المسؤولين أنفسهم، مؤكداً أنّ مشهد تكريم طالبة النظام السوري “مها” أمام طلاب المحرر الذين ذاقوا ويلات القصف والتهجير والزلازل وغيره كان سبباً لانتفاضةٍ يطالبون فيها بكل حقوقهم لأنهم الأولى بها، وقد أفاد محمد بأن أول مطالبه هو فصل المدرسين الذين أرسلوا أبناءهم إلى مناطق النظام مؤكداً أن قدومهم إلى المحرر هو هرب من الجوع في مناطق النظام لا مبدأ حقيقياً، كما أن لمحمد مطلباً باختيار المقررات بشكل أكاديمي نوعي وليس كمِّي، إذ ازدادت ضخامة المقررات بحجة السوية العلمية خصوصاً في الكليات الأدبية كما قال ساخراً بأن وزنها لم يعد يُحمل.
بينما ينصح الدكتور محمد العبد الله طلابه بأن يتجنبوا الملخصات المتوفرة في المكتبات والتي يتوصل من خلالها الطالب إلى المعلومة بشكل مختصر وسريع على حد قوله معتبراً أن الطالب الجامعي هو باحث حقيقي يعيش مرحلة بحث.
بين الغضبٍ الطلابيٍّ والمطالبات بقرار الترفع الإداري وتخفيض درجة النجاح إلى ٥٠٪ ، ما يزال طلاب جامعة إدلب يأملون من رئاسة الجامعة إصدار قراراتٍ تتناسب مع سوء الأوضاع بالمجمل، والنظر بأمر الحضور الإجباري في ظل غلاء المواصلات والفقر السائد، بينما يكرر موظفو الجامعة ومحاضروها ومسؤولوها الرأي ذاته الذي يدور حول صناعة النخبِ، فهل ستتخرج من جامعة إدلب زمرة من العباقرة بالفعل؟ أم أنها بدايات ثورة طلابية؟