“بأية حال عدت يا عيدُ”، لغة التراجيديا المخيمة على عقولنا المشبعة بالفجيعة.
فالعيد يأتي بفرحه، بعد أن خسرنا حلب، وداريا، والوعر، ومناطق كثيرة تهجيراً وتسليماً وحرباً، اقتتلنا في غوطة دمشق، ونزفت درعا وما زالت، ودمرت الرقة وأعيد احتلاها، ويا ليت قومي في سباتهم يعمهون، بل استيقظوا على صراعاتٍ واقتتالاتٍ جديدة، وبدؤوا يحشدون الجيوش ضد بعضهم، فأيّ عيد، وأي فرح، “وكيف تورق في الثغر الأناشيدُ”.
ببساطة رددها فقط، وانسَ وصايا المتنبي المقيتة، فلا أزال كلما أحببته تذكرت له هذه القصيدة فأبغضته عليها، وكأنّها ناقوس لليأس والحزن والفجيعة، يُعاد قرعه كل عام، في كلّ عيد، لكي تذكرنا بالمآسي والنكبات، وكأن الفرحة محرمة على أصحاب المأساة.
أما تكفيهم مآسيهم!، أما جُعل العيد لينسيهم ما يعانون!، فلماذا نرثي عودته؟!، وكأننا نريد أن تستمر معاناتنا، وأن لا تأتي الأعياد، ولا نعيش الفرحة.
سيقولون: هذه الفرحة تنسينا الثأر أو الواجب، فقل لهم: وأيُّ ثأرٍ هذا الذي تضيعه ابتسامة، بل أيُّ واجبٍ ذاك الذي لا يصمد أمام قليلٍ من الضحكات، وكأن الحرب تأمرنا بالدموع والوجوم، وتعتبر كلّ ضحكة في حضرتها خيانة، .. لا يا صاحبي، دع العيد يأتي مراراً، وافرح كأنك المنتصر، ولا تخفِ ابتسامتك حتى أمام دماء الشهداء وقبورهم، فليس أقسى على عدوك من أن يراك وأنت تمزّق نصره المؤقت بابتسامة.
توقفوا عن حبّ الأحزان وتقديسها، فأمة تعيش على موسيقا البكاء لن تصنع نصراً، ولكن اتقنوا صيحات الإصرار والعزيمة، اتقنوا ألوان الفرح التي تجعل الحياة تستحق أن تعاش، ولا تتباكوا وتتمنوا الموت من أجل راحة دائمة، وكأنها بطولةٌ تُـنتظر، فليست البطولات في اتقان فنون الموت، وإنّما في اتقان فنون الحياة.
عيدكم مبارك مليء بالفرح والسعادة، تقبل الله طاعتكم ..
وكلّ عام وأنتم بخير .
المدير العام | أحمد وديع العبسي