عبد الملك قرة محمد |
مضت أربع سنوات منذ أن بدأتُ رحلتي مع عدد من الطلاب في جامعة حلب، رحلةٌ لن نتوقع صعوبتها كما لم نتوقع استمرارنا فيها.
في العام الأول 2015 كانت كليتي (كلية الآداب) في دارة عزة حينها كانت الجامعة حديثة العهد، حلت _رغم الضعف في بعض المواد اللوجستية_ بديلاً مناسباً وأكاديمياً عن مؤسسات التعليم العالي في النظام السوري، حتى إنها حملت نفس الشعار الذي تحمله جامعة حلب التي يسيطر عليها النظام السوري وذلك رغبةً بتحصيل اعتراف دولي بهذه الجامعة لا سيما أن جامعة حلب في المناطق المحررة تضم عدداً كبيراً من الأكاديميين الأحرار المنشقين عن نظام الأسد والراغبين بتكوين بيئة أكاديمية تجمع تحت لوائها الطلاب السوريين الراغبين بإكمال تعليمهم العالي لكن بعيداً عن النظام السوري هكذا كانت الآمال لكن الواقع كان بالمرصاد.
مع بداية العام الثاني وبعد تعرض الكلية في دارة عزة للقصف من قبل نظام الأسد اُضطرت الجامعة لنقل الكلية إلى الدانا هناك بدأت إرهاصات الخلاف بين إدارة جامعة حلب في المناطق المحررة التابعة للحكومة السورية المؤقتة وبين مجلس التعليم العالي في إدلب التابع لحكومة الإنقاذ طبعاً الكل يعرف أحداث تلك الفترة لذلك لا داعي للتكرار.
الأسباب كانت حينها -كما تناقل لكن لم يتسنَّ لي التأكد من أي معلومة -هو وجود حالات تلاعب بأموال الطلبة بالإضافة إلى رغبة مجلس التعليم العالي بضم جامعة حلب (خدمةً للطلبة) وتمهيداً لتوحيد كل الجامعات السورية الحرة العامة منها والخاصة.
وفي العام الثالث انتقلت الكلية إلى سرمدا ومنها إلى الأتارب في العام الرابع عام التخرج لأول دفعة من طلاب جامعة حلب في المناطق المحررة الذين درسوا كل السنوات ضمن كلية الآداب وغيرها من الكليات التي تحتاج لأربع سنوات فقط.
مع نهاية الفصل الأول من هذه السنة عادت من جديد مسألة الخلاف بين المجلسين (لا يهمنا هنا طبيعة الخلاف وأسبابه المهم هو مستقبلنا كطلبة والخلافات السياسية والمالية يجب أن تحل بعيداً عن مستقبل الطلاب ورغبتهم بالجامعة التي يريدون الاستمرار بها).
طلاب جامعة حلب من خلال الاحتجاجات التي قاموا بها سابقاً أو التي سيقومون بها يوم غد الإثنين أكدوا رغبتهم بالاستمرار في جامعة حلب في المناطق المحررة التابعة إلى الحكومة السورية المؤقتة.
والآن بعد أن سيطرت حكومة الإنقاذ على مباني الجامعة في الأتارب اضطرت الجامعة للانتقال مجدداً لكن هذه المرة إلى الريف الشمالي (إعزاز ومارع).
ونتيجة لذلك لن يستطيع عدد كبير من الطالبات وبعض الطلاب الاستمرار في الجامعة (في موقعها الجديد) مما يعني أن بعضهم سيكمل مجبراً في الجامعة التي تتبع لحكومة الإنقاذ لكن ماذا عن الذين لا يرغبون بتغيير جامعتهم التي قضوا فيها أربع سنوات وهم على أبواب التخرج بالإضافة إلى عدم قدرتهم على الانتقال إلى الريف الشمالي هل سيكون مصيرهم الانتظار حتى يتم التوافق على صيغة جامعة للآراء مانعة للخلاف؟!
وللتخفيف من هذه المشكلة أصدرت جامعة حلب في المناطق المحررة اليوم بياناً أعلنت فيه رفضها الانضمام إلى مجلس التعليم العالي في حكومة الإنقاذ ونقل الكليات إلى اعزاز ومارع وسيتم العمل بنظام التعلّم عن بعد بالنسبة إلى الكليات النظرية أي يحضر الطالب الامتحان فقط.
أما بالنسبة للكليات العملية فسيتم اعتبار المقررات العملية مواداً غير مرسّبة وسيتم نقلها إلى سنوات قادمة حتى يتمكن الطلاب من تقديمها حين تسمح له الظروف، كما سيتم تقديم تسهيلات بالنسبة للسكن وغيره للطلاب لا سيما طلاب السنة الرابعة كما أوضحت الجامعة التزامها بتخريج كل طلابها.
قد تخفف هذه التسهيلات من معاناة الطلبة لكنها ستنعكس بشكل أو بآخر على السوية العلمية في الجامعة لأن كثيراً من المقررات تحتاج إلى الحضور الذي يتقاطع مع صعوبة المواصلات.
مشكلات كثيرة خلقها التناحر على مستقبل الطلبة ومصير غامض يترقبه الطلاب ويبقى السؤال ماذا فعل الطلاب حتى ينالوا هذه الضريبة؟! وهل هذه عاقبة الذين قرروا الثورة على مؤسسات النظام والالتحاق بجامعات ثورية تعمل لخدمة الطلاب الأحرار؟! ويبقى الحل من وجهة نظر طالب في الجامعة أن يتم التوافق أو الوصول إلى حل جذري لهذه المشكلات التي تؤخر المسيرة الثورية في مجال التعليم أميالاً وأميال.
في النهاية أود أن أعتذر إلى صديقي الذي أقنعته بإكمال دراسته في جامعة حلب وفاجأني اليوم بأنه قرر إيقاف التسجيل على خلفية الأحداث الأخيرة.. عذراً صديقي لأنني لم أصور لك التعليم العالي في المناطق المحررة بهذه الصعوبة كنت أحاول حينها تحفيزك.. وعذراً أيضاً لأنني لم أكن أدرك حجم الخلاف الذي يمكن أن يخلقه مستقبلنا الذي ربما يخالف ما ترسمه ساحة السيطرة العسكرية والسياسية.